قصة وش ميت بقلم محمد شعبان العارف الجزء الاول
بقلم محمد شعبان العارف
"السوق مليان وشوش، والرك بقى عالتربية، ولا دول ماتعلموش، ولا انفصام في شخصييية.. واقلب عالوش التاني واديهم الوش التايواني"
لما لقيته بيغني ومنسجم اوي مع الأغنية، طفيت الموبايل اللي كان مشغله على السماعات، وبصيتله من فوق لتحت بقرف..
-وذمتك ودينك يا شيخ، ليك نفس تغني وسط القرف والمشاكل اللي احنا فيها دي كلها!.. انت ايه ياض انت، مابتحسش!.. ماعندكش دم احمر زي اللي عند البني أدمين!
قولتله كلامي ده وقعدت على الكرسي اللي في اخر المحل وانا متضايق ومخنوق، قرب من ضهري وحط إيده على كتفي وبعد كده لف ووقف قصادي..
-طب ولما ما اغنيش، عاوزني اعمل ايه يعني يا عم رشدي، احط إيدي على خدي واقعد جنبك بقى وافضل احرق في سجاير، ولا الطم واعدد زي الولايا؟!
طفيت السيجارة اللي كنت مولعها وبصيتله بقرف اكتر وهو واقف قدامي..
-لا يا عم زعزوعة، ماقولتش لا تعدد ولا تولول، انا كل اللي اقصده، إنك تفوق كده وتعرف حجم الكارثة اللي احنا فيها، احنا يا بيه اتراكم علينا فلوس بالكوم، اشي كهربا.. وفلوس ضرايب، ده غير الديانة اللي واخدين منهم البضاعة بالأجل، مش كل يوم والتاني واحد منهم يجي ويعمل لنا غاغة!.. وطبعًا الغاغة دي بتطلع سمعة على المحل وبتوقف حاله اكتر ماهو واقف اساسًا، واهو.. ادي النتيجة، قاعدين انا وانت ووشنا في وش في بعض بعد ما مشينا حتة العيل اللي كان بيشتغل معانا، عشان مش لاقيين ندفعله مرتبه، وطبعًا بقعدتنا انا وانت دي، لا بنبيع ولا بنشتري، المحل اهو.. حاله بقى واقف.
سكتت شوية وبعد كده كملت كلامي وانا ببص للشارع بضيق..
-والله انا ما عارف ايه اللي جرى للناس، هم بطلوا يلبسوا، ولا المشكلة من عندنا ولا ايه.. انا مابقتش عارف ولا فاهم حاجة!
سحب زعزوعة ابن عمي كرسي، وقعد قدامي.. بص لي لمدة ثواني وهو ساكت، بعد كده بص للمحل وكأنه اول مرة يشوفه، وبعد بصته دي بص لي تاني بتركيز وهو بيقرب مني اوي..
-العيب في الهيكل.. البوودي عدم اللامؤاخذة.
-العيب في الهيكل!.. هيكل ايه وبوودي ايه، انا مش فاهم منك حاجة.
-انا هفهمك.. لما يبقى عندك عربية وعاوز تشغلها في الإيجار، يعني تأجرها لناس زي ما معارض العربيات بتعمل يعني.. ياترى بقى هينفع تأجرها والبوودي بتاعها قديم ومهكع، ولا لازم تجددها وتروق عليها كده وتخليها عروسة، وبعد كده تأجرها؟!
جاوبته بسرعة ومن غير تفكير..
-لا طبعًا.. هجددها وهروق على شكلها عشان تغري الزباين ويأجروها باستمرار، بس ده ايه علاقته بالمحل برضه؟
قرب مني اكتر وهو بيكلمني بصوت واطي..
-افهم يا عم رشدي.. المحل ده هنعتبره واي كأنه عربية، والزبون اللي بيبص عليه من برة، هو الزبون اللي هيأجر مننا العربية، تفتكر بقى ممكن الزبون يتشد او يدخل المحل يشتري منه، وهو شكله قديم ومكتوب على يافطته الدنچوان!
سرحت شوية في كلامه، وبعد كده رديت عليه..
-اومال!.. تقصد ايه يا زعزوعة، ماتقصر وتجيب مالأخر!
-فل.. هقولهالك على بلاطة.. المحل ده عاوز يتروق، يعني من ابو ناهية كده، عاوز يتجدد.. ديكورات جديدة بقى ويافطة جديدة بأسم جديد، على شوية بضاعة مستوردة كده تتحط في واجهة البترينة، واتفرج ساعتها يا عم رشدي على الزباين اللي هتدخل لنا.
ضربت كف بكف بعد ما سمعت اللي قاله..
-لا حول ولا قوة إلا بالله.. يا جدع انت دماغك دي فيها ايه، شايل مخك وحاطط مكانه صندل!.. بقولك مديونين وعلينا فلوس بالكوم، تيحي انت وتقولي توضيب ويافطة جديدة، لا وايه.. عاوز كمان شوية بضاعة مستوردة!... يا ابني هو مش الكلام ده كله عاوز فلوس، ولا احنا هنمشيها بالحب كده؟!
-لا طبعًا عاوز فلوس، بس الفكرة بقى دلوقتي مش في إنه عاوز فلوس ولا لأ.. الفكرة إننا متفقين على نفس الكلام، وطالما اتفقنا وانت شايف إن كلامي مظبوط، يبقى كده ماقدمناش غير الفلوس، اه.. سهلة.. هنتصرف فيها ونتوكل على الله ونجدد.
ضربت كف بكف تاني..
-استغفر الله العظيم، هو انت بتقول اي كلام وخلاص، ولا انت رافع حاجة عالصبح ولا فيك ايه بالظبط!.. يا ابني واحنا هنتصرف في الفلوس دي منين بس؟
ابتسم ابتسامة هبلة وهو بيقوم يقف..
-سهلة يا عم رشدي.. انا امي شايلة وديعتين في البنك، فهتكلم معاها بالحب كده، وهخليها تفك واحدة منهم وتديهالي، وبأذن الله خير، ومن ناحيتك انت بقى، فانت تدور في دفاترك القديمة.. يعني، فكر كده لا يكون ليك فلوس عند فلان ولا علان.. ولو عرفت تتصرفلنا في مبلغ على الفلوس اللي هاخدها من امي.. يبقى كده اتعشت، ها.. قولت ايه؟
-قولت ايه في ايه.. لا طبعًا انا ماليش فلوس عند حد، بل بالعكس بقى، ده احنا مديونين زي ما انت عارف.
سكت زعزوعة لما قولتله كده وانا كمان سكتت، او تقدر تقول كده إن كل واحد مننا سكت لما وصلنا لطريق سد.. بس شهادة لله من بعد كلامه ده، انا فضلت سرحان طول اليوم من وقت ما نزلت المحل، لحد ما قفلت بالليل وطلعت البيت، ومع طلوعي للبيت وانا سرحان وشارد كده، مراتي خدت بالها إن دماغي مشغولة في حاجة، وعشان كده قربت مني وسألتني بحنيتها المُعتادة..
-مالك يا رشدي.. من ساعة ما طلعت من المحل وانت سرحان ومابتتكلمش.. احكيلي يا اخويا مالك، يمكن لما تحكي ترتاح.
اول ما قالتلي كده ما صدقت، وكأني كنت مستني عايدة مراتي تسأل عشان احكيلها على كل الكلام اللي دار ما بيني وما بين اخوها، مرزوق ابن عمي وشريكي، او زي ما اتعودنا نقول له من وهو صغير.. (زعزوعة).. فحكيتلها على كل الكلام اللي دار ما بيننا، وبعد ما خلصت، سَرحت لثواني وبعدهم قولتلها..
-هو برضه معاه حق.. احنا المحل بتاعنا ده ما تجددش من سنين، في الوقت اللي كل اصحاب المحلات اللي حوالينا، عمالين يجددوا ويصرفوا على مكان أكل عيشهم.. بس انا هعمل ايه يعني، ما كله على يدك.. انا مش هعرف اتصرف في أي فلوس من أي حد، وغير كده وكده كمان.. حتى لو فكرت استلف من حد، تفتكري مين ممكن يسلف حد في الايام الصعبة اللي احنا فيها دي؟!
بصت لي عايدة وفضلت ساكتة لثواني، ومن غير أي مقدمات، خبطتني على رجلي وقامت وقفت....
-ولا تشغل بالك يا اخويا.. ماتشيلش هم، انا هتصرف.
قالتلي كلامها ده وراحت ناحية الدولاب، فتحته وطلعت منه علبة الدهب بتاعتها اللي بمجرد فتحتها، حطتها قدامي على السرير..
-ده الدهب بتاعنا يا اخويا، خد منه وبيع وجدد المحل واشتري بضاعة، ولما ربنا يكرم وتجيلك فلوس.. ابقى هاتلي دهب غيره، او حتى ماتجيبش، المهم إننا نفضل مستورين.
بصيت للدهب وبصيتلها وانا ساكت، مابقتش عارف اقولها ايه.. انا حقيقي محتاج لكل جنيه هيجيلي من الدهب ده، وفي نفس الوقت برضه، مش هاين عليا اخد منها اي حتة دهب انا جيبتهالها في يوم من الايام!.. فضلت محتار والكلام واقف على طرف لساني لحد ما قولتلها..
-انا فعلًا محتاج لفلوس والمحل لازم يتجدد.. بس...
قاطعتني بسرعة قبل ما اكمل..
-مابسش يا اخويا.. مابسش.. انت بيع الدهب وجدد محلنا، ماهو المحل ده مش بتاعك لوحدك، اه.. ده بتاعنا كلنا.. وتجديده ده هيبقى
عشاننا وعشان مصلحتنا، وكمان عشان مصلحتنا، لازم المحل يفضل شغال، ولا انت شايف غير كده؟!
ماقدرتش ارد عليها بالرفض لما قالتلي كده، عايدة معاها حق، المحل ده باب رزق ليا وليها ولولادنا، وكمان لاخوها وامها، وعشان كلامها الموزون ده، وافقت إن انا اخد الدهب وابيعه، لكني قبل ما اخده، بوست على راسها وقولتلها..
-ربنا ما يحرمني منك يا اجدع زوجة وبنت عم في الدنيا، وربنا يقدرني واجيبلك احسن منه.
ولحد هنا بقى وقبل ما اكمل لك.. خليني اقولك انا مين بالظبط وايه اللي وصلني للنقطة دي.
انا رشدي اباظة رشدي، راجل عندي ٣٣ سنة، من القاهرة، او بالظبط يعني.. من حي السيدة زينب، ابويا وامي ماتوا ورا بعض، وقت ما كان عندي ١٥ سنة، وعمي هو اللي رباني من بعد موت ابويا ومن بعده امي.. امي اللي ماجابتش غيري لأنها شالت الرحم بعد ما ولدتني على طول.. ولو هتسألني رباني ازاي وهو عنده بنت، فانا هقولك إن انا ماكنتش عايش معاهم في نفس الشقة، انا فضلت عايش في شقة ابويا وامي الله يرحمهم، وعمي مراته كانوا تملي بيخلوا بالهم مني لأنهم عايشين في الشقة اللي فوقيا، هم وابنهم مرزوق اللي اصغر مني بحوالي تسع سنين، وبنتهم عايدة اللي كانت اصغر هي كمان، بس بحوالي خمس سنين ..
ومع مرور الأيام، وشغل عمي في محل الملابس اللي هو وابويا كانوا وارثينه عن جدي.. انا كبرت، وبعد ما خلصت دبلوم، نزلت اشتغلت مع عمي وقت ما ابنه وبنته كانوا بيدرسوا، ومع مرور الأيام اكتر واكتر..
اتجوزت بنت عمي وعيشنا في شقتي، وعمي بعد جوازنا بحوالي سنتين كده اتوفى، فورثت انا وابنه مرزوق اللي دلعه "زعزوعة".. واتسمى بالأسم ده لأنه كان بيحب القصب اوي وهو صغير، وكمان لأنه رفيع شويتين تلاتة..
واهي.. الدنيا فضلت ماشية لحد ما محل الملابس بتاعنا واللي قريب من العمارة اللي احنا ساكنين فيها في حي السيدة زينب، حاله بقى واقف.. لا بقينا بنبيع ولا بنشتري، وده طبعًا خلى وضعنا المالي بقى صعب اوي، وخصوصًا لما فلوس الكهربا والبضاعة اللي جايبنها بالأجل اتراكمت علينا، وابتدوا الديانة بقى مع الوقت يعملوا لنا قلق ومشاكل.. قلق ومشاكل فضلنا فيهم لفترة كبيرة اوي، لحد ما فكر زعزوعة في فكرة تجديد المحل اللي من بعد ما حكيت لمراتي عليها وقررت تساعدني، خدت الدهب بتاعها وبيعت نصه تقريبًا،
وبالفلوس اللي خدتها من بعد ما بيعت الدهب، وفلوس الوديعة بتاعت أرملة عمي، قدرنا نجمع مبلغ محترم ونوينا نجدد المحل، ومن عند تجديد المحل، بتبدي الحكاية تاخد شكل تاني خالص، او بالظبط يعني، من عند اليوم اللي نزلت فيه من البيت ودخلت المحل على زعزوعة، يومها لقيته واقف بيتشاكل مع صبي القهوجي كالعادة..
-انت ياض انت مش هتبطل نصب انت والمعلم بتاعك؟.. قهوة ايه اللي بسبعة جنيه، ما انا بقالي سنين بشربها بخمسة، ايه الجديد يعني؟!
رد عليه صبي القهوجي وهو شوية شوية هيعيط ياعيني..
-وانا مالي يا عم زعزوعة، ما الأسعار هي اللي غليت، وبعدين دلوقتي القهوة بقت بتيجي في كوباية كارتون عشان الفيرس بعيد عنك.
-اه اه.. حَور بقى وقولي فيرس ومكرونة.. ما خلاص استفضينا من الحوار ده.. هي خمسة جنيه مافيش غيرها، وألا ورحمة ابويا ها..
قاطعته قبل ما يكمل وقربت منه..
-بس يا ابني بقى، خمسة ايه وسبعة ايه.. ما تدي للواد اللي هو عايزه، تعالى يا حماصة.
قرب مني صبي القهوجي اللي مسحت على راسه، وطلعت من جيبي عشرة جنيه واديتهاله..
-خد ياسيدي، ادي عشرة جنيه.. خد السبعة بتوع زعزوعة، وهات لي قهوة كمان وتعالى خد خمسة.
ضحك الواد وسابني ومشي، قربت من ابن عمي اللي بص لي بضيق..
-يا عم رشدي كده هيطمعوا فينا.. انت مش شايف حالتنا عاملة ازاي، ده احنا بنكح تراب يا جدع.
رديت عليه وانا بقعد على كرسي من كراسي المحل..
-يا ابني اسلك بقى عشان ربنا يكرمنا في اللي احنا داخلين عليه، ده الواد طول النهار شقيان وطالع عين اللي جابوه عشان في اخر اليوم يلاقي لقمة حلال، لا وايه.. انت كمان واقف تفاصل معاه في اتنين جنيه.. يا أخي ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
شوح لي بإيده وكأن كلامي مالوش لزمة يعني، بعد كده مسك كشكول كان فاتحه وقرب مني..
-فكك من حماصة ومن القهوة بقى وقول لي.. احنا هنسدد لمين الأول، ام شفعات الدلالة اللي بنتها كل يوم والتاني تيجي تعمل لنا هوليلة قصاد المحل، عشان فلوس القمصان المتأخرة.. ولا للواد ناصر ابن عمك حامد اللي جه وزعق معانا اول امبارح.. ولا.. ولا نسدد الأول لفرج اللي بيجيب لنا البضاعة المستوردة؟!
بصيت في الكشكول بتركيز وبعد كده قولتله..
-لا.. احنا نسدد لفرج، وهقولك ليه.. احنا كده كده هنحتاجه لأنه هيجيب لنا البضاعة الجديدة اللي هنحتاجها بعد التوضيب، وبعده نسدد لام شفعات لأنها برضه بتجيب لنا قمصان مستوردة، وخلي الواد ناصر ده في الأخر خالص، كده كده عمك حامد من منطقتنا ومننا وعلينا، بس المهم بقى قبل ده كله، فين الراجل بتاع الديكورات اللي قولت عليه؟!
-زمانه على وصول.. على ما تشرب قهوتك، يكون جه.
خلصت كلام مع ابن عمي وقعدت احسب في الفلوس اللي هندفعها لحد ما حماصة جاب لي القهوة.. القهوة اللي شربتها وولعت سيجارة وفضلت مركز في الحسابات لحد ما لقيت زعزوعة بيرد على تليفونه، بعد كده وقف قصاد باب المحل وسلم على شاب كان ماسك في إيده لابتوب، ودخلوا هم الاتنين..
-ده رشدي.. ابن عمي وشريكي يا فرغلي.. وده فرغلي بتاع الديكورات اللي قولتلك عليه يا رشدي.
سلمت عليه وانا ببتسمله، فسلم عليا هو كمان وابتدينا نتكلم في الشغل، فَتح اللابتوب وابتدى يفرجنا على اشكال محلات لحد ما زعزوعة قال له..
-بس.. الاستايل ده جامد، هو ده المطلوب.
بصيت له باستغراب اوي لما قال كده..
-مطلوب ايه.. ده كده هيبقى بيت رعب، مش محل ملابس، انت مش شايف يا ابني كمية الوشوش العجيبة اللي متعلقة على حيطان المحل، ولا الديكورات اللي تخض دي؟!
اتدخل وقتها فرغلي وقال لي..
-لا يا استاذ رشدي، مش بيت رعب ولا حاجة، دلوقتي المحلات ديكوراتها مابقتش زي زمان، ماهو الناس دلوقتي بقوا بيتشدوا للحاجة الغريبة، وكل ما تعمل الديكور غريب، كل ما الزبون هيتشد لمكانك وهيدخل لك اكتر.
خبط زعزوعة فرغلي في كتفه وهو بيقولي..
-سامع.. سامع الناس اللي عندها بُعد نظر، وبعدين فرغلي ده عم الديكورات.. ده مش بس بيعمل ديكورات للمحلات، ده كمان بيعمل ديكورات لفلل ولأماكن فخمة اوي، وفوق ده كله بقى.. ساعات بيعمل ديكورات للمرسح.
رفعت حاجبي وانا ببص له اوي..
-مرسح كمان!.. لا بسم الله ماشاء الله.. طب واقتراحات حضرتك ايه بقى لأسم اليافطة يا أستاذ مرسح.. قصدي يا استاذ فرغلي؟
رد عليا فرغلي وهو بيبص لي وبيبص لابن عمي..
-لا.. موضوع الاسم ده حاجة انتوا اللي بتختاروها، وكمان انتوا اللي بتختاروا المكان اللي هنشتري منه الديكورات لأنها متفاوتة في الأسعار.
وفعلًا.. انا وزعزوعة قعدنا مع بعض واتفقنا على أسم للمحل، وكمان اتفقنا على الأماكن اللي هنجيب منها الديكورات، او بالتحديد يعني.. زعزوعة هو اللي بص لي وبص لفرغلي بكل ثقة وقال لنا..
-لو على الديكورات.. فانا معارفي بالناس اللي هنشتري منهم كتير اوي، زي مثلًا عبد الفتاح ابن عم محمد بتاع ورشة الخشب، اهو ده بقى زبون عندي، وكمان الورشة بتاعته بتعمل الأشكال الغريبة بتاعت الوشوش الخشب دي، فمن الأخر كده.. بدل ما نروح لمحلات انتيكة ونشتري منها، احنا نروحله ونخليه يعملهالنا بسعر الجملة.
وبرضه اللي قال عليه زعزوعة حصل، راح هو واتفق على كل الديكورات وابتدوا العمال شغل في المحل، وده طبعًا بعد ما سددنا الفلوس اللي علينا للناس اللي ذكرتهم، وكمان دفعنا مُقدم البضاعة الجديدة، لكن بعد ما توضيب المحل خلص، ووقت ما كنا بنرص الديكورات الاخيرة والبضاعة، فجأة وقف زعزوعة وقال لي باستغراب وهو ماسك قناع خشب غريب كده، قريب في شبه من بقية الاقنعة اللي علقها على الحيطة..
-بقولك يا رشدي.. الوش ده لقيته في الكرتونة مع الوشوش، هو زيادة.. فوق الطلبية يعني، بس تفتكر الواد عبد الفتاح حطهولي جدعنة منه فوق البيعة، ولا ممكن يكون اتحط بالغلط؟!
كنت مشغول في رص البضاعة لما قال لي كلامه ده، فشاورتله بإيدي وانا بقوله..
-ماعرفش يا اخي.. ما تاخد الوش وتروح انت تسأله، وسيبني بقى اخلص اللي ورايا، انا لسه ورايا هم ما يتلم والافتتاح خلاص بكرة.
وقف زعزوعة هرش في راسه، بعد كده حط الوش في مكان ما على الحيطة اللي في اخر المحل..
-لا يا عم مش هروحله، انا خلاص اعتبرته هدية، ولو جه وسأل عليه، انا ممكن اديله فلوسه، او ارخم عليه واقوله إنه هدية.. اصله عجبني بصراحة وانا علقته خلاص.
ماهتمتش بكلام زعزوعة وكملت رص في البضاعة، وبعد يوم مرهق ومتعب، روحت نمت.. وتاني يوم عملنا افتتاح للمحل والحمد لله بيعنا كويس، لكن تاني يوم الافتتاح على طول، وبعد ما نزلت المحل متأخر وفضلنا شغالين بيع طول اليوم انا وابن عمي، اول ما الساعة جت ١١ بالليل والرِجل بقت اهدى شوية في المحل، لقيت زعزوعة واقف قدامي وبيقولي بتعب وهو بيفتح عينه بالعافية..
-خلااص.. انا جيبت جاز، من قبل الضهر وانا واقف على رجلي لما خلاص هموت، انا هروح البيت انام عشان اقدر افتح بكرة من بدري، وانت بقى خليك سهران، ووقت ما تلاقي الشارع بقى هادي والمحلات بتقفل، ابقى اقفل معاهم.
بصيتله وانا بعد الفلوس وبحطها في درج المكتب الصغير اللي قصادي..
-حاضر يا زع زع بيه.. تحت امرك، اتفضل انت روح وماتشيلش هم، انا هفضل قاعد لحد الفجر لو حبيت.
ضحك على كلامي وهزرنا شوية وخد بعضه وروح.. روح وسابني قاعد لحد ما الساعة جت ١٢ ونص، بعد نص الليل، في الوقت ده كانت المحلات اللي حواليا ابتدت تقفل، فهديت نور المحل شوية، وقعدت على كرسي المكتب وريحت ضهري لورا.. ويادوب غمصت عيني لثواني وانا بفرك فيهم، فجأة اتنفضت في مكاني لما حسيت إن حد ضربني بالقفا!
قومت وقفت وانا بتلفت حواليا زي المجانين، المحل كان فاضي ومافيهوش حد غيري!
قعدت في مكاني وبصيت على الشاشة اللي بيتعرض فيها فيديو كاميرات المراقبة بتاعت المحل، رجعت الفيديو بتاع الكاميرة الداخلية دقيقة لورا، وساعتها برقت للشاشة وانا مفزوع!
انا شوفت فيها حاجة غريبة اوي، زي ما يكون خيال او ضل اسود عدى من ورايا بسرعة، في الثانية اللي غمضت عيني فيها!
قفلت الشاشة بسرعة، وقومت قفلت المحل وانا بقول لنفسي، إن انا بكرة الصبح لازم اوري الفيديو ده لزعزوعة.
خلصت تقفيل في المحل وطلعت على البيت جري، واول ما دخلت، مالقتش لا مراتي ولا عيالي!
طلعت موبايلي من جيبي واتصلت بيها، ولما ردت عليا بعد كام رنة، عرفت إنها طلعت تبات عند امها هي والولاد، وده لأن حماتي تعبانة شوية ومحتاجة رعاية منها، وكمان طلعتلها لأن اخوها اول ما طلع من المحل، نام وماقدرش يسهر يراعي امه.. ف اطمنت عليها وعرفت منها مكان الاكل اللي بعد ما سخنته واتعشيت، دخلت اوضتي، بس بعد ما فردت جسمي على السرير واتغطيت، ومسكت ريموت التلفزيون اللي كان قصادي على طول وشغلته، بعد حوالي نص ساعة او ازيد، لقيت باب الأوضة بيتفتح بالراحة، اتعدلت في مكاني وبصيت بترقب عشان الاقيه مرة واحدة اتفتح على اخره، ومراتي واقفة قصاده!
بصيت لها باندهاش اوي وسألتها..
-انتي نزلتي امتى يا عايدة؟!.. وبعدين انا ماسمعتش صوت باب الشقة وهو بيتفتح ولا حتى حسيت بيكي، هي مرات عمي كويسة؟!
هزت لي راسها بمعنى اه.. بعد كده دخلت وفردت جسمها جنبي على السرير من غير ما تنطق بولا كلمة، سيبتها نامت وقولت إنها تعبانة ولا حاجة وفضلت قاعد مركز مع التلفزيون، لحد ما ابتدى يطلع من مراتي صوت غريب وهي مدياني ضهرها، كان صوت أشبه بصوت الحشرجة، استمر يادوب لثواني، ومرة واحدة.. اتحول لصوت حيوان او كلب بيزوم!
قربت إيدي منها وخبطت على ضهرها بالراحة وانا مقلق منها..
-عايدة.. انتي.. انتي كويسة؟!
لكنها برضه ماردتش عليا، فقررت ازقها اجمد وانا بقولها بصوت اعلى..
-يا عايدة.. انتي كويسة بقولك.. ما تردي عليا يا..
وقبل ما اكمل كلامي، لقيت عايدة مسكتني من دراعي بقوة غريبة، وكأنها راجل مش ست، وفعلًا الإيد اللي مسكتني دي، ماكانتش إيد مراتي ولا إيد ست من أساسه، دي كانت إيد لراجل بشرته سمرا.. ومع المسكة دي ووقت ما كنت بحاول اسحب إيدي منها، فجأة لقيت صاحب الإيد لَف وبص لي، وساعتها حسيت إن جسمي كله بيترعش من الخضة، انا اللي جنبي ماكانتش مراتي، ده كان راجل فعلًا لون بشرته سمرا.. وشه مافيهوش ملامح.. او تقدر تقول بالبلدي كده، إن ماكنش له وش من اساسه، اللي قصادي ده كان شخص وشه متشال، ولما بقول وشه متشال.. فانا ماقصدش إن جلد وشه متشال واللي باين منه عضم، لا.. انا اللي اقصده إن راسه مقطوع منها الجزء بتاع الوش ده كله.. مقطوع بقى بالجلد والعضم وكل حاجة، ومش باين منه بس، غير منظر مقرف ومقزز.. منظر خلاني زقيت إيده بسرعة وطلعت اجري ناحية باب الأوضة اللي اول ما وصلتله، اترزع بكل قوة!
فضلت احاول افتح في الباب، لكنه ماكنش بيفتح، ولما فضلت اخبط وازعق على أمل إن حد يلحقني من المخلوق الغريب اللي معايا في الأوضة ده، غصب عني وقفت مرة واحدة، وقفت اول ما سمعت صوت خطوات رجله وهو جاي من ورايا، كانت خطوات صوتها غريب ورعب.. وكأنه بيجر رجله، مابيمشيش عليها، وقفت لمدة دقيقة كده وانا مش عارف اتصرف ازاي، هل ابص ورايا، ولا اخبط على الباب تاني واحاول افتحه ولا اعمل ايه!
مخي وقف عن التفكير، بالظبط زي الزمن اللي حسيت إنه وقف بيا، لحد ما فجأة وغصب عني، لفيت وبصيتله بسرعة، وساعتها صرخت بعلو صوتي لما لقيته في وشي بالظبط، وبسرعة رهيبة، مسك رقبتي بإيده اليمين ورفعني من على الأرض، وبإيده الشمال.. كتم بوقي عشان ماصرخش، فضلت ارفس برجليا وانا متعلق في الهوا وضهري للباب، لكن مافيش فايدة.. قوته كانت اكبر بكتير من مُقاومتي، فبالتالي.. ابتديت اسلم وشوية بشوية لحد ما فقدت الوعي والدنيا ضلمت تمامًا من حواليا.. يتبع
(ده الجزء الأول من قصة وش ميت.. الجزء التاني