قصة العاصفة للكاتب أندرو شريف
الحياة ليست إلا تجربة تنقسم لشقين، الشق الأول وهو الراحة، والشق التاني هو لعنة... لعنة لن تفارقك ابدًا.
أنا سيف محمود، مصري مُقيم في السعودية وشاء القدر إني أرجع مصر مره تانية، والمره دي ماكنتش هينفع تستنى كتير لأنه والدي كان تعبان جدًا ولازم اكون جنبه، لكن لما اتصلت بشركة الطيران عرفت إن كل الرحلات محجوزة لأسبوع قدام، والرقم ده صعب جدًا إني استناه، بل مستحيل كمان.. فأشار عليا صديق ليا إني أرجع عن طريق سفينة بضايع رايحة مصر، كنت مُضطر وقتها فوافقت إني أروح معاهم وأمري لله.
بالفعل تاني يوم بليل كنت روحت عشان اركب السفينة، لكن للأسف كانت راحت عليا نومة وبكل محاولات الأستعجال اللي كنت فيها دي للأسف مالحقتش السفينة، اللي عرفت انها كانت لسه ماشية من عشر دقايق وده كان واضح لانها كانت لسه على مرمى البصر، لكن ربنا مش بيسيب حد لأني لقيت والحمدلله سفينة تانية كانت طالعة رايحة مصر بردو، بس السفينة دي كانت صغيرة جدًا لبضايع، الحقيقة هي كانت شكلها قديم حبتين لكنها طالما طايفة على الماية فهتقضي الغرض...
أول ماركبت المركب واتعرفت على عبد التواب اللي عرفت بعدين انه صاحب السفينة، لكنه بيشتغل فيها زي العمال بردو وهو اللي كان مركبني المركبة من الأساس بعد ما حكيتله عن ظروفي وظروف والدي، فلاحظت لبسهم القديم شوية فقولت:
-ايه يا غالي، مش لبسكم قديم شوية؟
لقيته ضحك وقال:
-قديم ايه بس، ده طقم انما ايه.. كلنا متفائلين بيه، لسه جايبينوا وموحدينوا على المركب، فيه عندنا تي شيرت زيادة بتاع خلف تاخده؟
ضحكت وقولت:
-لا يا بن عمي مش للدرجادي، هو جمييل والله وجديد، بس حسيتوا قديم شوية مش اكتر.
خدنا الكلام لغاية ما جت الساعة 3 بليل تقريبًا وطاقم السفينة كله نام.
معادا انا كنت قاعد ادون ملاحظاتي ويومياتي زي ما بيقولوا لغاية ما حسيت بحاجه دبت جامد على ظهر السفينة، طلعت برا أشوف في ايه، فلقيت عاصفة شديدة في المكان، وحسيت بشعور غريب.. شعور بعدم الراحة، الشعور ده اتبعه خوف... ببص حواليا أشوف في ايه لقيت حاجه مسكتني وكلبشتني بشكل جامد، لكن في النهاية طلع عامل من عمال السفينة لقيته بيقولي:
-متخافش كده.. دي السفينة على طول زي مانت شايف، عواصف وبرق ورعد، مش بعيد يبقى في اعاصير، المهم قلبك يجمد كده انت مشوفتش حاجه.
وقتها كان دمي هرب من عروقي ولسه جسمي بيرجف من الخضة فقولت:
-ايه يابن عمي مش تاخد بالك، الناس قلبها خفيف بردو، ده قلبي وجعني من الخضة يا جدع.
قعدنا نتكلم حبه حلوين لغاية ما بدأت اروح في النوم، فاعتذرتله ودخلت ريحت على المرتبة شوية بدون أي جدوي، لأني ماكنتش قادر أنام وقتها بسبب اصوات البرق والرعد اللي شغاليين برا.. لكن في النهاية من التعب كنت نمت وصحيت تاني يوم والسما كانت صافية تمامًا، فحكيت لعبد التواب اللي حصل بليل وانا بضحك بصوت عالي واحنا بناكل، لقيتهم كلهم قلبوا وشهم وقالوا:
-انت شوفت مين امبارح يا أستاذ؟
بدأت احكيلهم على مواصفاته وكل حاجه شوفتها لقيتهم كلهم سابوا الاكل اللي في ايديهم وبصوا لعبد التواب اللي نطق بعديها وقال:
-أنت متأكد من اللي بتقولوا ده يا أستاذ سيف؟؟.. الراجل اللي بتقول عليه ده اسمه سمير ومات بقاله عشرين سنة على السفينة دي.
ضحكت ضحكة وراها صدمة وأنا بقول:
-وليه الهزار ده بقى يا عبد التواب، ماتقول يا جدع انك بتعمل فيا مقلب وكلام من ده.
-مقلب ايه يا أستاذ سيف، سمير ميت بقالة عشرين سنة على المركبة دي وذكرى موته بكره كمان لو ماخنتنيش الذاكرة يعني.
بلعت ريقي وأنا بقول:
-بسم الله الرحمن الرحيم، أومال أنا شوفت إيه امبارح؟
كلهم كانوا مصدومين زيي بالضبط لأن محدش يوصف المواصفات دي إلا لو كان شاف الشخص ده فعلًا، وده اللي حصلي أنا شوفت سمير اللي بيقولوا عليه ده، فعبد التواب بعد كل اللي حكيته قال:
-بص يا أستاذ سيف أنا مش عارف إيه تفسير اللي حصل ده كويس، بس اللي اعرفه انه الوقت اللي هنقعده مع بعض تخليك معانا، يعني وقت ما ننام تخش معانا تنام، إحنا منعرفش ايه ممكن يحصل.
قومت من مكاني وأنا متعصب:
-أنت بتقول إيه يا راجل يا مخبول، يعني انا قعدت حكيت لعفريت عن مشكلتي وهو حكالي عن حياته، أنتو بتتكلموا بأي منطق بالضبط....
قومت زي المجنون أنده على سمير:
-يا سمير، اطلع يا سمير أكدلهم اني عاقل، اطلع يا بن عمي بلاش هزار.
بعدها لقيت حاجه بتصفرلي من فوق وبتقول:
-ايه يا أستاذ سيف، محتاج حاجه؟
الصوت ده صوت سمير اللي أول ما سمعته حسيت إن ردتلي الروح ودمي رجع يمشي في عروقي.. بصيت لسمير وقولت:
-مانت موجود أهو، ليه جو المقالب ده؟
لقيت ملامحه في الشمس كانت متغيرة، تحس إنه مجسم لبني ادم، او تمثال شمع، حاجه زي كده يعني لما بدأ يقول:
-صدقهم يا سمير.. أنا ميت، بس صدقني اللي هيحصل في الليلة الجاية ما هو إلا تكرار لكل حاجه حصلت زمان، الموت؛ ريحته جميلة أوي أنا قادر أميزه لغاية دلوقتي....
بعدها عبد التواب لقيته في ضهري لما قال:
-روحت فين يا أستاذ سيف..
-سمير.. سمير أهو، عشان تصدقوني.
لقيته بص على المكان اللي شاورت عليه وقال:
-دي بضاعة يا أستاذ سيف.. واضح ان اعصابك تعبانة، إحنا لازم نقعد جوه عشان الشمس حامية أوي النهاردة وده ممكن يأثر عليك.
بالفعل خدني وقعدني جوه السفينة انا والعمال، وكل واحد كان بيحكي قصة للتاني لغاية ما الليل ليل بينا، وجه عبد التواب قعد وسطينا بعد ما خلص الشغل اللي بيعمله على السفينة ونداني يقعد معايا لوحدينا، واللي اكتشفته بعديها إنه جي يحكيلي عن قصة سمير... سمير اللي اتقتل من عشرين سنة لما بدأ يقول:
-بص يا أستاذ سيف الموضوع كان إنتهى، لكن من الواضح إننا لما ركبنا السفينة مره تاني كل حاجه بتتعاد من الأول.. زمان من عشرين سنة السفينة دي كانت طالعة لنفس المكان بالضبط، وهو مصر.. لكن في نص الطريق بدأت العواصف تشد وقولنا عادي ما كل رحلة بحرية بيحصل فيها كده، لكن العواصف شدت لدرجة إن السفينة بدأ يخش فيها ميه وماكنش بعيد إنها تتقلب بينا، وقتها كان عندي حوالي 15 سنة طالع مع والدي يعني، المهم إن سمير كان بيحب الكتب والقصص بتاعة البحر وحاجات من دي، فأقترح يومها اننا نعمل قرعة واللي يطلع في القرعة نرميه في البحر، وقتها كله وافق فعلًا وكل حاجه كانت زي الفل لغاية ما أبويا عمل القرعة لأنه كان اكبر واحد في السفينة وقتها..
فاللي طلع عليه الدور وقتها كان مين؟؟... كان سمير بتاعنا، فرموا سمير في البحر بعد مقاومات منه بالأنتقام، تحس إنها اتكتبتله عشان هو المُقترح، والغريب وقتها إن العاصفة بدأت تهدى فعلًا لغاية ما وقفت خالص، ومن ساعتها السفينة مش بتطلع رحلات كتير عشان الشركة اللي شغالين فيها كانت بتشغل السفن التانية أكتر من السفينة دي لقدمها زي مانت شايف، فمن فترة بعد موت أبويا أشتريت السفينة دي من الشركة برخص التراب وعملت عليها تصليحات وبدأت أشتغل عليها أنا... لكن إيه سبب ظهور سمير؟.. الله وأعلم محدش يعرف أكيد.
أول مانتهى عبد التواب من كلامه سمعنا أصوات عالية برا، الأصوات دي من الأكيد إنها أصوات عاصفة جديدة، فلما طلعنا نشوف في ايه لقينا العاصفة شديدة جدًا، واكتر حاجه لفتت انتباهي كان عيون عبد التواب لأنها كانت بتلمع من المشهد أكنه شافه قبل كده.. في اللحظة دي سمعنا صوت واحد مش غريب عليا كان بيقول:
-احنا نعمل قرعة، واللي يطلع فيها يبقى هو اللي هيترمي في البحر، من بعدها الدنيا هتهدى.
في اللحظة دي عبد تواب قال:
-سمير!!.. أنت لسه عايش؟؟؟؟
كل اللي على السفينة من عمال استغربوا إن سمير لسه عايش، لكن الغريب إن عبد التواب أمرهم في اللحظة دي إنهم يمسكوا ويحدفوا برا السفينة فورًا، بالفعل بدأوا يحاوطوه عشان يحدفوه لكنهم مقدروش عليه، بمعنى أصح مكانوش قادرين يلمسوه.. لأنه كان شبح، طيف ماشي في المكان مش إنسان زينا.. في اللحظة دي بدأ سمير يتكلم ويقول:
-الغريب يا أخي مش في كده.. الغريب إنه مكملش القصة كلها، مقالش إن هو اللي طلع في القرعة وأبوه قال إنه أنا اللي طلعت فيها، فضلت أصرخ واقول إن مش انا اللي طلعت محدش صدقني، كله صدق كبير السفينة، لكنكم كلكم هتموتوا.
بدأت العاصفة تشد، السماء لونها كان بيضرب ب 3 ألون مع بعض في اللحظة من شدة العاصفة، عبد التواب حاول يستخبي لكنه كان طاير في الهواء وسط ضحكات متقطعة من سمير بالنصر، في لحظة عبد التواب كان متعلق في حبل واترمى برا السفينة، واحد ورا التاني ورا التالت كله كان بيترمي واللي كان بيتشنق، واللي كان بيرمي نفسه أصلا، كل ده وسط دربكة كانت بتحصل انتهت بان السفينة اتقلبت بينا كلنا والقدر خلى سفينة تانية تلتقطني من الميه وبعدها بلاقي نفسي في سريري بمصر متعلقلي محاليل، وأعرف بعديها إن السفينة اللي جيت فيها غرقت، وأول ما حكيتلهم على اللي حصل اتهموني بالجنون لأني رجعت بالسفينة اللي وصى عليها صاحبي مش أي سفينة تاني.. لكن كل اللي حصل ده أنا حسيت بي وحصل، حتى ملامح سمير لسه في دماغي، لكن يشاء القدر أن يتهمني بالكذب والجنون بالنهاية.
كلمات دلائلية:( لاكثر بحثا في قوقل )