قصة لعنة القتل بقلم أحمد محمود شرقاوي
"قتيل وقتيلة نازلين مع عربية الرملة" فضلت أصرخ بالجملة دي وانا في الموقع وجسمي عمال يتنفض زي اللي مسكه مس من الجن, بس المفاجأة الأكبر واللي تخطت حدود العقل ان القتيل ده كان هو اللي......
صحيت من نومي يومها مفزوع, بتمنى ان اللي حصل ميكنش حقيقي, يكون مجرد وهم, أو حلم مُخيف ينتهي من صحياني, بس اللي شوفته تحت مخدتي كان بيقول غير كدا, فلوس كتير أوي, اكتر من خمس الاف جنيه, ايا كان اللي ممكن يكون حصل, المهم ان كل حاجة انتهت وأتمنى انها تعدي على خير..
نزلت أقعد على القهوة قعدتي المعتادة من بعد الضهر لحد أخر الليل, واهي الفلوس جت, وهتكفيني لوقت طويل لحد ما أفكر أجيب فلوس تانية بأي طريقة, ووسط القعدة الحلوة وحجر الشيشة المظبوط لقيت مكالمة جيالي من عمي عويس, وعمي ده كان يعتبر السجان بتاعي, عمي اللي مش عارف أتحرر من قبضته لحد انهاردة, واللي ممكن لما اعمل مشكلة كبيرة ينزل يضربني قدام الناس, راجل كبير في السن بس شخصيته وهيبته قادرة انها تمحي أي حد من قدامه..
هو شايفني عيل فاقد وبتاع مخدرات ومبهدل أمي معايا من بعد موت ابويا, وحلف ليفضل يعدل فيا لحد ما يموت, ودخلت من بعد موت ابويا معاه في صراع طويل استمر ل12 سنة, هو عايزني اشتغل واسيب طريق القهاوي والمخدرات وانا مش عارف ابقا كويس, ومش هنفع في أي مكان بعد كل الاماكن اللي خرجت منها بمشاكل عملتلي سمعة سيئة هتمسك فيا وفي اولادي واحفادي كمان من قوتها..
رديت على عمي وانا بنفخ من جوايا, مانا لو مردتش ممكن ينزلي مخصوص ويهزقني قدام الناس, لقيته بيعرض عليا شغلانة جديدة من الشغل اللي مبيخلصش, بس المرة دي نبرة صوته كانت مُخيفة, مخيفة جدا, نبرة صوته كانت بتقول اني لو فكرت أرفض احتمال ينزل يقتلني, وكالعادة قولت أريحه واروح الشغلانة يومين واسيبها بمشكلة أو خناقة أو حتى أقول مش عجباني..
بعتلي رقم مقاول عُمَّال وقالي اكلمه وهيرد عليا ويقولي على مكان الشغل, وأكد عليا اكلمه حالا, قفلت معاه وانا بلعنه الف مرة, بتمنى في يوم وليلة يطلع مش اخو ابويا أو يموت واخلص منه, كلمت المقاول واللي كان اسمه "ممدوح" وقالي اني هشتغل في موقع قريب من المنطقة, منطقة انشاءات جديدة وان الشغل هيبدأ من بكرة الساعة 6 الصبح ولازم أكون على الطريق السريع وقتها..
قفلت معاه وانا مخنوق ومش طايق نفسي, واليوم بالنسبالي اتقفل خالص, وعلى بالليل شربت سيجارة الحشيش وطلعت نمت عشان شغل تاني يوم, وفي نومي شفت حلم غريب أوي ومش مفهوم..
شفت نفسي واقف تحت جبل والجبل كله بيقع عليا بيقتلني, صحيت من النوم مخضوض وقلبي بيدق, كان كابوس واقعي بطريقة مخيفة, ببص في الساعة لقتها خمسة ونص الصبح, صحيت وانا حاسس بجسمي متكسر وبلعن عمي الف الف مرة, لبست هدومي بسرعة وطلعت على الطريق السريع, الجو برد قارص وشبورة غريبة نازلة على المكان كله, كأنك واقف في أرض الضباب, جسمي بيترعش من البرد ووجع مفاصلي مش مخليني قادر أتحرك حتى..
في الوقت ده رن عليا المقاول وقالي ان عربية العمالة داخلة عليا, ومفيش دقايق ولقيت عربية ربع نقل عليها ناس ملفوفين في الجلاليب ومتوشحين بأوشحة تقيلة بسبب البرد, ركبت معاهم وطلعت العربية, طلعت عشان يهاجمني تيار هوا بارد كان هيجمدني مكاني, حسيت كأن عضمي بيتكسر, كأني جوة جهنم وبتعذب في زمهريرها, خمس دقايق عدوا عليا كأنهم ساعة, ساعة من البرد وتكسير العظام, وفي النهاية وصلنا الموقع ولقينا عربيات نقل الرملة والحديد مستنية عشان تدخل, المقاول قسمنا مجموعات كل مجموعة هتستقبل عربيات النقل في مكان مخصص..
وبدأ شغل الموقع, دوشة المُعدات وحركة الناس وتوجيه العربيات ناحية اماكن التشوين, ولقيت نفسي قدام عربية نقل مطالب أوجه سواقها ناحية الركن عشان ينزل نقلة الرملة الضخمة, بدأت اوجهه واحدة واحدة وانا السيجارة في بقي ومش طايق نفسي من العفار والبرد, وفي النهاية وصلنا للمكان المحدد وطلبت منه يقلب قلاب العربية عشان ينزل نقلة الرملة, وقفت اتابع حركة القلاب وهو بيترفع وبتنزل منه الرملة واحدة واحدة, وفي لحظة لمحت اجسام لينة بتقع مع الرملة, كأنها قطع اسفنج متغطية بالقماش, منظر غريب مستوعبتوش في الأول, ومسافة ما الرملة كلها نزلت والعفار بدأ يقل تدريجي واحدة واحدة قربت من الاجسام المطاطية الغريبة دي..
كان المشهد غير مفهوم, كأنك بتبص للوحة كلها شغابيط وملهاش ملامح, بس لما قربت شوفت التفاصيل, شوفت اللي خلى شعر راسي يقف, جثتين, جثتين لراجل وست, الست رقبتها منحورة والراجل مطعون في كل مكان في جسمه وباصص ناحيتي بصة فزع..
وقتها عربية النقل رجعت لورا فخبطتني من ضهري ووقعت على الجثتين, وقعت عليهم وحسيت بيهم وكأنهم بيكتفوني عشان ياخدوني معاهم, كنت حاسس ان ايديهم رجعت فيها الحياة وانهم بيشدوني بعنف, بل وسمعت صوت صرخة, صرخة مألوفة طالعة من الجثة, وقتها نزل سواق النقل وشاف المشهد وبدأ يصرخ وينادي على الناس..
كنت لسة واقع عليهم, متلغبط وجسمي سايب مش عارف أقوم من على الجثث, في النهاية الناس شدوني ووقفت, وقفت وعنيا مليانة بمشهد الست المد-بوحة وهي بتبص جوة روحي من جوة..
رجعت البيت وانا مش قادر اتنفس, قعدت على القهوة وكسرت كوباية الشاي وانا بشربها من كتر رعشة ايدي, كارثة وحلت فوق دماغي, في اللحظة دي اتصل بيا عمي ومسافة ما فتحت:
- دانت لعنة يابني كل ما اوديك مكان تحصل مصيبة
رديت عليه وانا بتنفض وقولت:
- وانا اعمل ايه طيب يا عمي
- متهببش حاجة وتعدي عليا بالليل عشان عايزينك في القسم عشان التحقيق
جسمي اتنفض تلت مرات على الأقل لحد ما قدرت اتمالك أعصابي, وعلى بالليل روحت قدام الظابط وحكيت كل اللي شوفته بالتفصيل وانا دمي ناشف وكلامي كله مش مرتب, وفي النهاية سابوني أرجع من تاني واروح, بس عمي نصحني أكمل شغل لأن الكل هيكون مشكوك فيه وعليه العين الفترة دي لحد ما التحقيقات تنتهي ولازم أكمل عشان ملفتش الانتباه, منك لله يا عمي, منك لله..
تاني يوم مكنتش قادر انسى تفاصيل مشهد الجثث وهي على الرملة, كانت أعصابي كلها سايبة وصوتي مبحوح, ووسط الشغل وعربيات الرملة بتفضي شوفت حاجة بتنبش في الرملة من جوة, كأن فيه حشرة ضخمة عاوزة تخرج, قربت بخوف شديد عشان اشوف ده ايه, وفي لحظة قبضت ايد غرقانة دم على رجلي بقوة, وقعت على ضهري وصوتي واقف في حلقي مش قادر انطق, بصيت بفزع ناحية المكان ملقتش أي حاجة, في اللحظة دي مثانتي كانت هتنفجر, مشيت لأخر الموقع في مكان متداري وبدأت أتبول بعيد عن عيون الناس, بس مسافة ما بدأت بدأت أسمع صوت ورايا جاي من ورا أسياخ الحديد, بصيت بتوتر وقلق عشان المحها من تاني..
نفس الجثة, جثة الست المدبوحة, كانت بتشاور ناحية كوم الرملة, بتشاور وعنيها كلها غضب ووعيد, جريت زي المجنون في الموقع وانا حاسس ان قلبي هيقف من الجنان اللي بشوفه ده, ورجعت بيتي وانا وشي اصفر وفي حالة إعياء شديدة..
قعدت مكاني وقتها أبكي, أبكي بحرقة شديدة, أبكي على الكارثة اللي عملتها في حق نفسي, اتصلت على سبب الكارثة وفضلت استغيث بيه, حكيتله وطلبت منه المساعدة, طلبت منه يعمل أي حاجة, انا حاسس اني هموت قريب أوي, خاصة ان حلم الجبل اللي بيقع عليا فضل يتكرر كتير أوي, والجثتين بقوا بيظهروا في كل مكان..
جثتين أعرفهم كويس أوي, ماهو المبلغ اللي كان تحت مخدتي كان تمن بيع عربيتهم, مانا نسيت اقولكم اني اشتغلت قاطع طريق فترة على الطريق الجبلي, واصطدنا انا وصاحبي العربية دي كان فيها راجل ومراته, نزلناهم منها وهما سلموا تماما, والمفروض كنا ناخد العربية ونهرب, بس الشيطان لعب في دماغي لما شوفت مرات الراجل, ست تطير عقل أي حد, معقوله اسيبها تمشي بالسهولة دي, سحبناها هي وجوزها ناحية محجر الرملة, وبدأت اعتدي عليها, بس جوزها وقتها ثار, ثار وطلب الموت على انه يشوف مراته بتنتهك قدام عنيه, وقتلناه, قتلناه بأكتر من عشر طعنات, وهي لما ثارت وقاومت وبتأثير المخدر اللي كنت واخده دبحتها جمب جوزها, ودفناهم في رملة المحجر وخدنا العربية بعناها وقبضت تمنها..
بس مكنتش أعرف ان الجثتين هيتنقلوا على عربية الرملة ويجوا للموقع اللي انا أول مرة اشتغل فيه, مكنتش اتخيل اني هسمع من الجثة اللي اغتصبتها صرخة اخت الصرخة اللي سمعتها يومها, مكنتش أتخيل ان...
تاني يوم في الموقع وبعد تشوين نقلة رملة ونقلها مرة تانية للمبنى اكتشفوا جثة مدفونة تحت الرملة, جثة العامل الجديد اللي جه يوم ما لقوا الجثتين, وكأن الموقع اتلعن بلعنة الموت, العامل لقوه مدفون تحت الرملة ومخنوق تماما, كأن فيه عربية نزلت نقلة الرملة عليه من غير ما ياخد باله..
بس شاهد عيان قال وأقسم انه شاف العامل بيكلم الفراغ وهز راسه بعلامة ايوة ونزل بإرادته تحت القلاب وهو بينزل عشان يتدفن ويموت, وانه خاف يتكلم لأنه افتكر ان كل ده وهم, وبعد تحقيق أكبر في الواقعتين قبضوا على صاحب معرض عربيات لقوا عنده عربية القتيل والقتيلة, وهو دلهم على عثمان اللي اعترف بكل حاجة عملها, واعترف ان صاحبه مات واتدفن خلاص..
كان ندمان, ندمان وبيبكي, بس من امتا الندم بيغسل افعالنا الكارثية, من امتا الندم بيمنع جرايم وشرور البشر, يمكن لو كان استخدم عقله لحظة مكنش ندم, ويمكن لو احنا بنفكر قبل أي فعل حرام مكناش وصلنا للنتيجة الكارثية, بس للأسف الشيطان بيلعب على وتر انه يعمي ابن ادم ويخليه يظن انه مش هيتكشف, بينسى ان ربنا اسمه العدل, وانا ربنا كلمته نافذة على الشيطان وعلى البشر, وان كل غلطة مننا ليها عقاب على قدرها, وان ربك هيرد الحقوق عاجلا أو آجلا, وان كل ذرة هنعملها ههنتحاسب عليها, ولا يظلم ربك أحدا..
"فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره.. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"
بقلم: أحمد محمود شرقاوي