قصة إنتقام من العالم الآخر بقلم أحمد محمود شرقاوي
بقالي كتير أوي بشتكي من جوزي بس للأسف مفيش أي مُجيب, روحت لأهلي غضبانة أكتر من عشر مرات وكل مرة كانوا بيرجعوني غصب عني ويقولولي ان ماليش غير بيتي وجوزي, رغم اني كنت بشتكي من حاجات لا تُطاق, عمري ما اشتكيت من قلة فلوس أو أكل أو شرب, وكنت بتحمل كل ده بدون ولا كلمة..
بس شرب الحشيش في البيت يوميا هو اللي كان مسببلي كل المشاكل في حياتي, الحشيش كان بيحوله لوحش, بيضرب ويهدد بالقتل ويعذب بدون أي رحمة أو شفقة, وكل ما كنت بشتكي كانوا بيقولوا ده ابن عمك وكل الرجالة كدا وان شاء الله ربنا هيهديه, لحد ما بدأت فعلا أخاف منه, واخاف على حياتي, وبقيت كل ليلة بقفل على نفسي بالمفتاح خوفا من تقلباته المُخيفة, خاصةً انه مسك السكينة عليا اكتر من مرة وكان هيقتلني, كان مجنون فعلا وعقله ضارب..
قعدت ليلتها حزينة أوي وكل الذكريات تراكمت عليا, خاصةً من أول يوم اتقدملي ابن عمي, كان متقدملي قبلها شخص متدين ومحترم بس أهلي رفضوه, ووافقوا على ابن عمي رغم انه سيء الخُلق وبتاع مشاكل كتير, بس عشان كان مرتاح ماديا والإسم ابن عمي, أعراف فاسدة بيفضلوها على الدين اللي مقالش ان أب يرمي بنته الرمية دي لواحد ولا بيصلي ولا يعرف ربنا, ووسط حزني على حالي ودعواتي لربنا بالخلاص من الحياة دي سمعت خبط على الباب, كان هو جوزي خالد, وكان صوته بيدل انه شارب حشيش وبانجو ومسطول على الآخر, رديت عليه من جوة الأوضة بخوف وسألته:
- عاوز ايه
لقيته بكل سماجة قال:
- عاوزك انتي
- قولتلك ميت مرة لما تفوق من القرف ده ابقا أجيلك
وكانت الكلمة اللي خلته يتحول لوحش, بدأ يخبط على الباب بعنف وانا جوة بترعش من الخوف, وبدأ يطلب مني أفتح الباب بثورة كبيرة, فضلت مكاني بترعش لحد ما هددني انه هيشوه وشي بمية نار لو مفتحتش, وخفت اكتر وانكمشت على نفسي جمب السرير وانا بدعي ربنا يعدي الليلة على خير..
لحد ما سكت تماما وبعد عن الباب, حمدت ربنا وخدت نفسي بالعافية, وفجأة, سمعت ضربة عنيفة على كالون الباب بالشاكوش, كان بيكسر الباب عليا, ودي حاجة تقول انه هيدخل يموتني طالما وصل للمرحلة دي من الثورة, اتشاهدت مكاني الشهادتين عشان لو كانت أخر ليلة في عمري..
وضربة ورا التانية لحد ما اتكسر الباب تماما ولقيته داخل عليا, كان شيطان, شيطان داخل ينتقم مني وفي ايده سكينة ضخمة, قمت من مكاني وحاولت أهرب منه لحد ما اتخبط في الكرسي ووقع في الأرض, وقبل ما يتحرك طلعت أجري وفتحت باب الشارع وخرجت أجري في الشارع وانا قلبي بيدق بعنف وهموت من الخوف, وسمعت صوت صراخه في البيت وهو بيقسم انه هيقتلني, بس انا مستنتش لحظة وطلعت أجري واجري لحد ما دخلت في شارع مظلم تماما, والبلد بالليل كانت هادية وساكتة تماما, وسمعت صوت خطوات جوزي بيجري ورايا عشان يلحقني, وفي لحظة لقيت باب بيت قديم بيتفتح وست عجوزة بتشاورلي عشان أدخل..
ومسافة ما دخلت راحت قافلة الباب تماما, ووقعت ورة الباب من الخوف وفضلت أبكي واترعش, طبطبت عليا برفق ودخلتني عندها جوة, الست كان البيت بتاعها قديم أوي, كأنه بيت من القرن اللي فات, بيت مبني بالطوب اللبن وصالة البيت قديمة أوي وفيه كنبة من بتوع زمان محطوطة في الصالة وعليها بطانية قديمة, خدتني من ايدي وقعدتني على الكنبة ودخلت عشان تعملي شاي بس انا شكرتها وجت قعدت جمبي..
كانت ست عجوزة أوي, وشها محفور عليه كمية تجاعيد مشوفتهاش في حياتي, ومع ذلك كانت ابتسامتها تشرح القلب, وبدون ما تسمع مني حكايتي طلبت مني أدخل الاوضة اريح شوية وقالتلي نصا:
"بالليل هنلاقي ألف حل"
ومن تعبي وخوفي سمعت كلامها ودخلت انام, كان فيه سرير قديم جدا مددت عليه ونمت, كانت الساعة تقريبا 10 بالليل, ونمت وانا حاسة اني وقعت في غيبوبة عميقة جدا, كأني روحت لعالم تاني خالص, بس على الساعة 12 تقريبا سمعت صوت غليظ جوة البيت بينادي:
- يا فتحية, يا فتحية
سمعت صوت أنثوي بيقول:
"انت جيت يا عبد الغفار"
"أيوة جيت, عملتي ايه في اللي قولتلك عليه"
سمعت الصوت الأنثوي بيقول:
"قولتلك انا مش هعمل أي حاجة من دي"
"تبقا حكمتي على نفسك بالموت"
وسمعت صوت صراخ رهيب, انكمشت مكاني وحسيت ان قلبي هيخرج من مكانه, وفي لحظة سمعت خطوات بتجري ناحية الاوضة اللي نايمة فيها, وشوفت بنت شابة بتدخل الاوضة ودخل وراها راجل ضخم وشكله عامل زي الشيطان, وعلى السرير اللي انا نايمة عليه طعنها اكتر من عشر طعنات, كنت شايفة المشهد وبتنفض, مرعوبة..
شوفت الدم وهو نازل من جسم البنت, وشوفت عنيها وهي بتبص ناحيتي وبتمد ايديها عشان انقذها, وصرخت, صرخت وجريت على برة, حاوت أفتح الباب مرة واتنين بس مكانش بيفتح, ومن ورايا سمعت صوت العجوزة بتقول:
- متخافيش وتعالي
بصتلها برعب وقولتلها:
- فيه واحد بيقتل واحدة جوة
- قتلها من زمان وخلصت القصة متخافيش
بصتلها بتعجب لقتها بتشاورلي أرجع, وقتها كان الصوت في الاوضة اختفى تماما, طلبت مني أدخل الاوضة تاني, وحسيت اني مسيرة مش مخيرة, كأنها سحرتني, ودخلت الأوضة ملقتش أي حاجة اطلاقا, ولا جثث ولا أي حاجة..
رجعت للست وانا مذهولة لقتها طلبت مني أقعود, قعدت جمبها وانا بترعش عشان تقول:
- انا حاسة بكل اللي انتي فيه يا بنتي
- طيب مين دول انا مش فاهمة حاجة
- دي واحدة اتقتلت في البيت ده من زمان أوووووي من جوزها
حسيت اني هموت من الخوف وقلت:
- طيب وانا ممكن اتقتل انا كمان
- لا انتي مش هتموتي هو اللي هيموت
في اللحظة دي سمعت خبط عنيف على الباب وصوت جوزي بينادي بغل وبيطلب مني أخرجله, اتنفضت مكاني وقلت:
- هو عرف منين اني هنا
- احنا اللي دلناه على المكان, خليكي مكانك وأول ما يطلع أخرجي
في اللحظة دي اتكسر الباب ودخل جوزي, وفي لحظة لقيت واحدة شبهي أوي بتجري وتدخل الاوضة, ودخل وراها بالسكين وهو بيسب ويلعن, وكأنه مش شايفني اطلاقا, طلبت مني وقتها الست أخرج, ووانا خارجة بجري سألتها سؤال واحد:
- انتي مين
- انا فتحية القتيلة
وجريت بأقصى سرعتي وخرجت للشارع ومنه رجعت بيتي من تاني وانا ميتة من الخوف, قفلت عليا باب الاوضة ودعيت رنا يسترها عليا لحد الصبح بس, وتاني يوم سمعت هرج ومرج قدام الباب, ولقيت أهل البلد شايلين جثة جوزي وبيقولوا انهم لقوا باب بيت فتحية القديم المهجور مكسور, ولما دخلوا لقوا جوزي ميت جوة, وشكله كان بيتعاطى حاجة في البيت المهجور ومات لأنه كان مشهور عنه التعاطي..
ومات جوزي بطريقة أغرب من الخيال واتدفن وفضلت متكتمة على الموضوع تماما, لحد ما جتلي واحدة ست تالت يوم العزاء وفضلت معايا لآخر العزاء وبعدها قالتلي:
- فتحية بعتالك السلام
جسمي كله اتخشب وقولتلها:
- فتحية مين
- فتحية اللي دافعت عنك من الموت
- انتي مين انا مش فاهمة حاجة
- انا خالتك أم محمد ساكنة في البيت اللي جمب بيت فتحية الله يرحمها وشوفتك ليلة ما دخلتي عندها وبعدها جوزك دخل وراكي بساعتين, بس كنت عارفة انها هتحميكي
- بالله عليكي فهميني انا مش فاهمة حاجة
- حاضر يا بنتي
"فتحية الله يرحمها كانت جارتي من سنين طويلة أوي, كانت ست سكرة وكل الناس بيحبوها, لحد ما اتجوزت راجل هو والشيطان واحد اسمه عبد الغفار, كان بيضربها ويعذبها ويشغلها عبدة تحت ايده, وكانت يوميا بتطلع من البيت متعورة ومتبهدلة, ومع ذلك كانت صابرة وبتدعي ربنا محدش يتظلم كدا بعدها, لحد ما بدأ يطلب منها تشتغل في البيوت خدامة بعد ما تيجي من شغل الأرض عشان يعرف يجيب الكيف بتاعه, وطبعا رفضت تماما لحد ما اتهور عليها في ليلة وقتلها"
"وفضل البيت مهجور لسنين بس هي فضلت محافظة على صداقتنا وكانت بتزورني, كنت بشوفها دايما الله يرحمها, لحد ما حصلت مشكلتك ودخلتك بيتها وبعدها استدرجت جوزك بواحدة شبهك لحد ما دخل البيت وانتقمت منه, انتقمت منه عشان متتأذيش زيها"
كنت حاسة اني بسمع حاجة من حكايات ألف ليلة وليلة, بس اهو وبعد 20 سنة وبقيت جدة لما اتجوزت تاني بحكي الحكاية لأحفادي اللي فاكرين اني بألف عليهم, بس الحكاية حقيقية, حقيقية جدا, وكنت دايما بقول ان المظلوم ربنا بيوقفله جنود السماء والأرض, وان المظلوم ربنا بيردله حقه مهما عدت السنين, وان الأصل في اختيار الزوج للبنت هو الدين والأخلاق مش الفلوس ولا المكانة الاجتماعية أبدا، وان اللي هتحط المعايير دي في شريك حياتها اللي هتختاره بعيدا عن الخُلق والدين غالبا بتدوق الويل في حياتها..
"وإن ربك لبلمرصاد"
"استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء"