قصة زوجة من الجحيم للكاتب أحمد محمود شرقاوي
جملة قالتهالي أمي رحمة الله عليها بس انا خدتها من باب الهزار, وأول ما قلبي دق تجاه زميلتي في الكلية خلصت فورا وروحت اتقدمت لها, بنت جميلة, أنثى بمعنى الكلمة, كل حاجة فيها معمولة بالمسطرة زي ما بيقولوا, وبما اني معرفش غير الصح, دخلت البيت من بابه..
واتخطبنا بكل هدوء في حفل بسيط, واتعلقت بيها اكتر واكتر, منكرش ان في فترة الخطوبة ظهرت منها مواقف غريبة بل ومقززة كمان, بس انا كنت زي الأعمى, نسيت جملة أمي "اختار صح" ونسيت كمان ان الخطوبة فرصة للتعرف مش مقياس للزواج خالص..
واتجوزت سلمى, الفاتنة ذات العيون الملونة, منكرش اني كنت انسان سطحي, كل اللي بيهمني المظهر وبتجاهل الجوهر, الروح, النفس, بس للأسف ده ترتب عليه اني عايش في جحيم, بل ممكن تقول الجحيم أهون من اللي انا فيه..
بعد الجواز بإسبوع واحد بس بدأت سلمى الحقيقية تحل محل سلمى الجميلة, المطيعة, كان عندها مبدأ قذر, اعملي كذا هعملك كذا, وكأنها فاهمة المشاركة في الحياة الزوجية واحد بلص واحد..
عايز غداء انهاردة يبقا تشتريلي غداء جاهز بكرة من برة, عايزني اغسلك هدومك انهاردة, يبقا تودي الهدوم المرة الجاية المغسلة تتغسل, وهكذا في كل حاجة تقريبا, حتى لو نزلت مع اصحابي ونسيت اقولها, اجي الاقيها نزلت مع صحباتها وقافلة تليفونها عشان بس واحدة بواحدة..
في البداية كنت بنصح باللين والرفق, بعدها اللين تحول لغضب وزعيق, بس هي كانت متبعة نفس المنهج, هزعقلها هتزعقلي, بل في مرة قولتلها
الست اللي تخرج من بيت زوجها من غير ما تقوله تبقا مش محترمة
قالتلي بكل برود "انت اللي مش محترم"
مسكت نفسي بطريقة كانت هتخلي عروقي تنفجر من الغيظ وسكت, واستمر الحال من سيء لأسوأ, حتى نومي جمبها بقا مثير للغثيان, وكأني نايم جمب وحش مش انثى من كتر ما بقيت هنفجر من تصرفاتها الغريبة..
اشتكيت لأهلها وكان ردهم قمة في البرود "بتدلع عليك مش اكتر"
الناس دي منين هل هما عايشين في عالم تاني ؟؟
فين المشاركة واللين والود في الحياة الزوجية, فين حاضر ونعم او الرفض بإسلوب محترم, صدقوني انا زوج مش وحش, انا بحاول ارضيها بكل السبل, بس شغلي مش هيكفي اني اجيب اكل واغسل هدومي برة البيت, انا بشتغل تقريبا 12 ساعة ويمكن اكتر كمان..
اتكلمت مع صديق عمري وحكيت له, قالي نصا صريحا
"دي حياتك وسعادتك, خود بكرة أجازة واخرجوا مع بعض وقضوا يوم جميل, وبعدها اتكلم معاها بهدوء, اتغيرت خير وبركة, متغيرتش يبقا تطلقها قبل ما تخلف منها, الصح صح ومحدش يختلف عليه"
كلامه كان منطقي للأسف, بس كان فيه جوايا مانع نفسي غريب, اللي هو انا فوزت بفاتنة الدفعة زي ما بيقولوا وطلاقي لها هيعتبر فشل وعار هيقع عليا, يمكن كمان الناس تشمت فيا, بس هل دي الحقيقة ولا انا شايف فيها قوة انا بتصنعها..
ولا هل هي عقدة نقص جوايا ؟؟
هو انا مش راجل ولا اي ؟؟
التفكير ده اثار جوايا بركان من الحمم, قررت اعمل بنصيحة صاحبي, تاني يوم لبست ووقفت بابتسامة وقولتلها "انا واخد اجازة من الشغل ما تيجي نخرج انهاردة"
بكل برود ردت وقالت "انا تعبانة ومش عايزة أخرج انهاردة"
مسكت نفسي بالعافية وقولتلها " طيب انا هقعد معاكي انهاردة ونشوف احنا ليه وحشين مع بعض ونتفاهم"
ولا كأني كلمتها, رميت تليفوني ودخلت جوة اكمل نومي, مفيش ساعة لقيتها بتصحيني وماسكة موبايلي وبتقولي ايه ده..
كانت فاتحة شات بيني وبين زميلتي في الشغل وده كان المكتوب
زميلتي: انت هتاخد أجازة بكرة
انا: أة ان شاء الله همتك معانا بقا وامضيها من المدير عشان خاطري
زميلتي: عنيا حاضر "ايموشن"
وبس, والله حتى الكلمة اللطيفة اللي قولتها لزميلتي كان عشان هي أقرب واحدة للمدير وبتعرف تمضي الأجازات, الاجازة اللي انا واخدها عشانها أصلا, واللي لو متمضتش من المدير هيتخصم يومين من مرتبي اللي اصلا مش مكفيها..
قولتلها:
"ايه اللي مضايقك في المحادثة دي, ثم انتي بتقلبي في موبايلي ليه أصلا"
لقيتها رمت الموبايل على السرير وقالتلي "ماااشي"
جيت انام تاني معرفتش, قلبي خلاص ضاق وبقا بيئن من الوجع بسبب الانسانة دي, افتكرت حاجة خلتني اتنفض من نومي..
طلعت الصالة لقيتها في المطبخ بتفطر ولا كأني هنا, وتليفونها مرمي, وبما انها ماشية بمبدأ واحدة بواحدة في كل حاجة تقريبا فلقيت رسالة واتس من واحد بيقولها "عنيا حاضر"
فتحت الشات لقيتها باعتة لزوج صاحبتها وبتهزر معاه وبتقوله "لما تصحا خليها تكلمني"
مسكت الموبايل كسرته ميت حتة من الغضب, جت تجري على الصوت وأول ما شافت اللي حصل راحت جايبة موبايلي من جوة وراحت رمياه في الأرض..
الأرض وقتها دارت بيا, كل حاجة تقريبا بقت سودة, افتكرت وقتها كل لحظة, كل كلمة سيئة, كل موقف, وبكل ما املك من قوة نزلت على وشها بكف ايدي, ودي كانت أول مرة المح في عنيها الخوف, بس الخوف سرعان ما اتحول لقسوة وراحت ردالي القلم..
هنا كنت وصلت لأعتى مراحل الثورة والجنون, وقبل ما اضربها جريت على البلكونة ودخلتها وقفلت الباب, خبطت عليها زي الثور الهايج بس هي رفضت تفتح الباب, ضربت الباب بكل قوتي, مرة واتنين لحد ما اتفتح, لقيتها واقفة قدام سور البلكونة وبتبصلي بغضب وتحدي..
وفجأة هجمت عليا وراحت ضرباني بكل قوتها في صدري, وبكل ثورة الكون ضربتها في كتفها, ضربتها عشان يرتد جسمها للخلف ويختل توازنها وتقع في لحظة من البلكونة..
تقع من الدور السابع ناحية الأرض بسرعة الصاروخ, فاكر نظرة عنيها وهي بيختل توازنها, لسة صوت الصرخة بيتردد في ودني وهي بتقع ناحية الأرض..
بصيت بكل رعب الكون للأرض تحت ولمحت جسمها مرمي على أرض الشارع والدم بينزل منها, جسمي كله اتنفض وعقلي اتشل عن التفكير..
طلعت موبايلي واتصلت بخالي, ضابط في القسم التابعة ليه منطقتنا..
قولتله مراتي وقعت من البلكونة وانا في حالة صدمة رهيبة, نزلت الشارع وعنيا زايغة زي المجانين, وقفت وسط الناس على جثتها, شكلها كان مريع, ايديها ورجليها واخدين وضع صعب مفزع, متقوسين بطريقة استحالة شخص طبيعي يكون كدا, الدم نازل من راسها وعنيها متسعة عن أخرها..
ولقيت الدنيا اسودت في عيني ووقعت من طولي اغمى عليا..
فقت لقيت نفسي في المستشفى, طبعا الاسعاف جت وخدت مراتي على المستشفى, حملة طلعت من القسم كان رئيسها خالي, اللي لقيته واقف قدامي بيتسائل عن اللي حصل..
قولتله اني صحيت من نومي على صرخة ولقيتها وقعت من البلكونة, استجاب لكلامي ومنع أي تحقيق يحصل في الموضوع كله خاصة بعد الصدمة الغريبة اللي سمعتها من الدكتور.
"المدام عايشة وفي العناية المركزة"
عايشة ازاي ؟؟
انا فاكر شكلها وهي شبه مكسورة اربع حتت وهي على الأرض, ازاي لسة عايشة ؟؟
الدكتور قال ان المدام كل عظام جسمها تقريبا اتكسرت, الحوض والزراعين والقدمين, شرخ في الجمجمة والقفص الصدري..
قال انها تقريبا ممكن تفضل في الجبس شهور طويلة وانها مش هتتحرك اطلاقا قبل تلت سنين او اكتر..
وقتها لساني وقف عن الكلام, مش عارف حتى أفكر, مش قادر استوعب انا ليه وصلت لكدا..
تاني يوم وبعد ما قدرت اتكلم واستوعب حكيت لخالي كل حاجة, وقتها مسكني بغضب من رقبتي وقالي
"الله يخرب بيتك انت مجنون "
"قسما بالله ما كان قصدي خالص" قولتلها وانا دموعي بتسيل على خدي.
"طيب اياك تجيب سيرة لأي حد اطلاقا, مراتك هتطلع بعد اسبوع وهتبقا في البيت, عايزك تكون معاها لحظة بلحظة عشان محدش يحس بحاجة لحد ما نشوف هنتصرف ازاي في المصيبة دي"
بعد عشر ايام تقريبا عربية اسعاف نقلتها للبيت عندي, نامت مراتي على السرير وجسمها كله من راسها لرجليها متجبس, علقولها محلول واتقالي اغيره كل وقت محدد, أهلها عرفوا بعد اسبوع من الحادث, خالي وقف واستوعبهم وأقنعهم انها حادث, بل وخلاني اصر انها متروحش عندهم بأي حال من الأحوال وان فيه ممرضة هتزورها يوميا..
ومع هيبة خالي كضابط اهلها استجابوا لرغبتي وان ده ممنعش امها تزورنا يوميا بالنهار..
واتحطت مراتي على السرير, مومياء بيضاء ملفوفة بجبس العالم كله, متركب لها محلول ومفيش غير عنيها مفتوحة وشاخصة للسقف..
وجه الليل وبقيت انا وهي لوحدينا, اتكلمت معاها كتير وبكيت اكتر, قولتلها اني مكنتش أقصد ائذيها وانها كانت عنيدة وطريقتها مش كويسة..
ومن شدة البكاء نمت جمبها على الأرض, وفي نص الليل تقريبا, صحيت على صوت خطوات في صالة البيت, اتفزعت وقمت من مكاني ببص في الظلام ناحية الصالة, وفجأة افتكرت زوجتي, لفيت ناحية السرير..
بس...
بس......
بس ملقتهاش..
بقلم: أحمد محمود شرقاوي