قصة غريب النباش للكاتب أندرو شريف
أكيد لو أعرف إن التربة دي هتبقى سبب في هلاكي، ماكنتش قربت منها في يوم من الأيام، بس أعمل ايه، غريب كان لي رأي تاني، وكان شايف ان التربة دي هتبقى سبب في نعيمنا، وإن المعلومة اللي عرفها عن المقابر دي بالذات، هتخلينا نعيش في نعيم بقيت حياتنا، وبصراحه سبب دخولنا الشغلانة دي من الأول هو الفلوس، والمكسب اللي بيرجع من وراها.
عارف إن فضولك جابك وعايز تعرف أنا بتكلم عن ايه، و قبل ما تبدأ القصة اعرف كويس إني بحذرك، عشان اللعنة على الكل، هيزورك حتى ولو زيارة واحدة، يعني لو حسيت في ليلة بضيق تنفس، أو بحاجه شديتك من على السرير، اعرف إن دي زيارته، ويا يقرب منك أكتر، والزيارة تبقى اتنين وعشرة، يا يسيبك، ويشوف الضحية الجديدة.
)يضحك).. خلاص تعالى هنا، انت خوفت ولا ايه، اللعنة شروطها أعمق من كده، فركز معايا كويس أوي، عشان السحر اللي هتكلم عنه النهاردة مش لاقي لي تفسير، شيء مش واقعي بالمرة ..
الموضوع ابتدى من زمان أوي، يعني من حوالي عشرين سنة.. لما اتعرفت على غريب أخويا وصاحبي في بار من البارات، غريب كان اسم على مسمى، يعني هو بالفعل مختلف عن أي حد تعرفة، دماغة في حته تانية، وده كان واضح من أول حوار حصل بنا في البار، لما سألني أغرب سؤال، وبصراحه أنا مالومتوش وقتها لأنه كان سكران، مش داري باللي بيقولوا، وده لما قال:
-بتحب الجثث يااا...
-شديد يا وحش، محسوبك شديد، بطل في كمال الأجسام سابقا، بس للأسف ماحدش بياخد اللي هو عايزة، والحمدلله.
ضحك على كلامي، وطريقتي:
-طب يا شديد، محسوبك غريب معاك.. أنا اللي حطمت أحلامي، و قتلت مراتي وابني بإيدي، و للأسف، الشرطة مارضتش تقبض عليا، أنا حاولت كذه مرة أخليهم يعدوموني، وفي النهاية رفضوا، لغاية ما حاولت أعدم نفسي بنفسي، لكن مرة الحبل يتقطع، ومرة ينقذوني، وكل ده مسبب ليا علامات في جسمي.
بعدها غريب شال الكوفية اللي كان حاططها على رقابته، وكان واضح منها علامات الإنتحار، يعني رقابته كانت كلها علامات بالفعل لأثار حبل، وده خلاني أخاف أكتر، لكن فضولي جابني لما قولت:
-طب و...
قاطعني وهو مبتسم:
-حادثة.. كنت سكران طينة، زي مانت شايفني كده بالضبط، ونجوى طلبت مني كذه مرة ماسوقش وأنا سكران، لكن أنا كابرت وقولتلها إني زي الفل، وبمجرد ما نور التريلا جه في عيني، لقيت العربية اتقلبت بدل المرة عشرة، بس القدر صادف اني اتحدف برا العربية وأعيش، لكن نجوى وسيف ابني كانت جثتهم اتفرمت، وعيشت بذنبهم كتير، وزي ما قولتلك طلبت اعدامي واني السبب في الحادث، بس صاحب التريلا كان شارب أكتر مني، وماشي على الطريق عكس، وراح هو فيها، أما أنا لسه صاغ سليم قصادك أهو، بزور قبرهم كل يوم، لغاية ما جيتلهم في زيارة ولاقيت التربة مفتوحة، نزلت مالقتش الجثتين، اتسرقوا.. اتسرقوا بالدهب اللي كان في رقبة مراتي وفي صباعها، بس مش ده اللي كان هاممني، لأني حبيت أدفنها بدهبها، اللي همني هو الهيكل العظمي، راح فين؟.. وليه يتسرق، وهنا أجي أسألك، بتحب الجثث؟
بلعت ريقي مرة تاني من السؤال قبل القصة المرعبة اللي بيحكيها:
-على حسب الجثة دي ايه، يعني لو جثة حد عزيز عليا، هزورها.
-واللي يدلك على مقابر فيها ترب ماليانة بخير، اصل لو فاكر إن الفراعنة بس اللي كانوا بيدفنوا الجثث بحاجتهم، فأنت غلطان، في كتير بيعمل كده، مش أنا المغفل الوحيد.
-والمراد من كلامك؟
-بكرة، الساعة 10 بليل، ألاقيك في العنوان ده، وأنت هتعرف كل حاجه، هعيشك ملك، بس أنت ساعدني، جسمك ده كنز أنت مش عارف قيمته.
رمالي ورقة على الطرابيزة ومشي، من غير ما يبص يمين ولا شمال، حتى من غير ما يستنى ردي، أكنه كان عارف كويس أوي إني هوافق على العرض، وده فعلا اللي حصل، وافقت على العرض، وتاني يوم في المعاد كنت في العنوان، بيت مهجور في حته مقطوعة، وده كان مخليني مقلق، لكن على مين، أنا شديد، عامل حسابي في سلاح أبيض، يعني لو في حركة غدر، يبقى هما اللي غدروا بنفسهم.
بمُجرد ما دخلت البيت المهجور اللي قصادي، لاقيت هياكل عظمية في كل مكان، وغريب كان قاعد على كرسي ومشغل التلفزيون، طلب مني أقعد، ورمالي لبس لونه أسود، عشان ماحدش يشوفنا وإحنا في الترب، بعدها قالي هنعمل ايه، هنروح الترب، نسرق اللي عايزينة، ولو في جثث لعيال صغيرة، هناخدها معانا، بتنفع في بيع الأعضاء، كل اللي أنا هعمله إني هشيل الجثث، ومش هقول إني ماخوفتش، بالعكس، أنا كنت مرعوب.
لكن أنا نسيت أكلمكم عن نفسي والكلام خدنا، لأني عايش أسوء أيام حياتي، مش لاقي أكل، ومش لاقي شغلانة توحد الله اقدر اصرف بيها على أكلي المخصوص، لدرجة اني بقيت بشرب خمرة، والشغلانة دي هيبقى فيها قرشين حلوين يقدروا يعيشوني.
غريب قاطع تفكيري وقال:
-ماتخفش، هتعييش... اسمع كلامي، وامشي ورايا، هعيشك ملك.
وفعلا من ساعتها وأنا عايش ملك، وكل حاجه كانت على المظبوط، حياتي اتغيرت وبقيت بعمل كل اللي حلمت بيه، وسرقنا بدل التربة كتير، صدقوني أنا حتى مش قادر أحدد عددهم، ولا هقدر، بس ريحة الجثث بقت بتدني بور رهيب، لدرجة انها بتفتح نفسي على الأكل، أصل الأكل ده لغتي اللي بعرف أتكلم بيها.
وبعد عشرين سنة من عمل كل شيء حرام، قررت إني أسيب المجال، وأرتاح بقى، أصل الصحة مابقتش زي الأول، والواحد بقى تعبان، وفعلا بلغت غريب بقراري، وعكس ما كنت متوقع لاقيته وافق بكل سهولة، وده أكد لي أكتر بأنه غريب، ومختلف عن أي حد عرفته قبل كده، لدرجة إن بعد عشرة السنين دي كلها ماقدرتش أفهمه، لكن قبل ما غريب يوافق، طلب مني أخر طلب في المجال، هو وإننا ننبش مقابر في منطقة مهجورة، مش هقدر أقول المكان، بس أعتقد ناس منكم سمعوا عنه، والمكان ده كان من القرن ال 19، اتقتل فيه ناس كتير، وكانت مذبحة يومها، أدت إن المكان ده يبقى مدافن ليهم، والمكان ده لا عليه غفير، ولا حد بيقرب منه لأنه في حتة صحراوية، فبالتالي ماحدش محتاج حتة الأرض في حاجه، لكن المكان ده كان ملعون، كل اللي راح عشان ينبش القبور هناك ماكنش بيرجع، وماحدش كان بيسمع عنه حاجه بعد كده، واللي بيحاول يروح يدور عليه، هو كمان ماكنش بيرجع، نصيب؟.. قدر؟.. عقاب؟.. كل حاجه انت بتفكر فيها ممكنه، وخطرت على بالي أول ما سمعت الحدوته، بس مسيرتي في النبش العقدين اللي فاتوا خلوني أوافق على العملية، بالذات إن عرفت بوجود كنز هنك، وإن اللي هيلاقيه، مش هيعيش ملك وبس، ده ممكن يقوم اقتصاد دولة، كلام أساطير وخرافات أنا عارف، بس مغري، ولون الدهب بيزغلل العين.
بالفعل ابتدينا لتحضير العملية، وخدنا كل ما هو ممكن، ومن الواضح إن غريب كان عارف بالعقبات اللي هتقابلنا لما خدنا معانا احبال، وحاجات تانية، كمان كان بيدربنا على التسلق، وده كان شبه سهل بالنسبالي لأني بشيل أوزان تقيلة، وأعصابي كانت مسعداني، وده حسسني ان ولا اكننا هنتصلق جبل، نيجي بقى للحظة اللي كنا منتظرينها، هي يوم العملية، لما اتقابلنا في البيت المهجور كعادتنا، وقفلنا المكان كويس عشان ماحدش يشم عنه خبر، بعدها اتحركنا للمكان المراد، واللي غريب كان يعرف موقعة بالضبط، وأول ما وصلنا الموقع بالعربية كانت المفاجئة، المكان اللي قال عليه غريب ماكنش في صحراء بس، ده كان بين جبلين، بينهم وادي عميق، وطريقة النزول كانت سهله، بس كانت لازم النزول برجلينا، عشان نقدر ننزل للوادي من الاتجاه التاني بدل ما نتسلق، وفعلا قدرنا نوصل لأخر الطريق عند الوادي بعد مشي اكتر من ساعتين، وده لصعوبة الطريق.
في اللحظة دي سألت السؤال اللي هيخطر على بالك:
-مقابر ايه اللي هتبقى في مكان زي ده يا غريب؟.. انت متأكد بأن في مقابر فعلا؟
ماردش عليا، كمل طريقة وهو باين على وشة الخوف، بالرغم من ملامحه الجامدة، ومحاولته اصطناع الهدوء، وهنا جات أول عقبة، هي وجود رمال متحركة سحبت غريب، وعشان كنا عاملين حسابنا طلعت الحبال من الشنطة، ورميت واحد لغريب عشان أشده من الرملة، لكن وأنا بعمل كده حسيت بحد اتحرك قدامي بسرعة عالية، ولما رَفعت عيني شوفت واحد واقف ومبتسم من بعيد، بدأت أدوخ وبطني تتقلب، منها سيبت الحبل وانا مستسلم تماما، وسامع صوت حد بيقول:
-ماتسمع منه، هو عايز مصلحته مش اكتر، لكن أنا عايز مصلحتك.
كنت لسه هخطي خطوة توقعني جوا الرمال المتحركة، لكن غريب فوقني وقال:
-ماتسمعش لحد يا شديد، هما عايزين يشتتوك.
بدأت أفوق من اللي كنت فيه، وطلعت شديد من الرمال، لكني رفضت أخطي أي خطوة كمان من غير ما أفهم اللي بيحصل، وهنا غريب قالي الحقيقة:
-دي مش مقابر ولا حاجه، ده قبر فرعوني قديم، فيه كنوز ياما، وروح الفرعون لسه في المكان، و مش هيقدر يؤذيك، هو بس بيهوش.
صدقته، وكملت الطريق، ووصلنا مكان مشقوق في الجبل، مكان يشبه المقابر الفرعونية، بس اللي مكتوب عليه كلام مش هيروغليفي، لغة مش مفهومة، تشبه اللغة العربية، و الكلام غريب، الفضول زاد عندي، حسيت إني عايز أعرف ايه جوا المكان ده، وايه الكنز اللي موجود، لكن غريب سبقني ودخل وهو عينه بتلمع من المكان، وأنا ماكدبتش خبر إلا ودخلت وراه، المكان من جوه كان مجرد غرفة كبيرة، واضح شقوق الجبل منها، إلا فتحة واحدة في الأوضة، أو شق بس واسع شوية، غريب سبق ودخل الشق ده، منها عرفت إن ده كان دوري أنا كمان عشان أخش وراه، بالرغم إني كنت أشك من استعاب الشق ده لجسمي، لكن عكس المتوقع الشق كان كبير، وقدرت أعبر منه للناحية التانية، المرعب إن أخر الشق كان بركة ماية كبيرة، غريب نط فيها.
وأنا نطيت وراه، فضلنا نعوم لغاية الأرض من تحت، وكان قصادنا تابوت، مقفول بإحكام، جه هنا دوري لما غريب شاورلي عشان أفتح التابوت، وبالفعل رغم صعوبة فتحه، فتحته.. لأن قدرتي في الماية ماكنتش زي فوق الماية، لكن ده كان مساعد ليا إني أقدر أزق الغطا بتاع التابوت، وبالفعل قدرت أفتحه، واللي كان جوا التابوت ماكنش جديد، كان هيكل عظمي لشخص واضح عليه انه كان ملك، ده لأن ماسك سولجان مُنصع بالألماس، وتاج ذهبي، الفرحة ماكنتش سيعاني، لكني بدأت اتخنق من قلة الأكسچين، فشديت السولجان، وخليت الماية ترفعني لفوق، ده على أمل إن غريب ياخد التاج والماية ترفعة هو كمان، ولما وصلنا للسطح، وقدرت أخرج من الشق مرة تاني، لاقيت غريب هو كمان ورايا، بس من غير التاج، معاه الهيكل العظمي وبس!!.. ووسط الهيكل العظمي كتاب محطوط بين ضلوعه.
اتعصبت على غريب في اللحظة دي، وقولت:
-انت مجنون، سيبت التاج عشان شويه ورق تلاقيه باش اصلا من الماية.
عين غريب كانت بتلمع، وابتسامته ماكنتش مطمئنة الحقيقة، وقال:
-الورق سليم، وعمره ما هيبوظ، متغطي بجلد الجثة، ومحفوظ كويس.
-جلد جثة ايه، وقبر مين ده، ولا تابوت مين، بقولك ايه ارمي الكتاب ده من ايدك، وخلينا في السولجان، هيكفينا وزيادة.
عين غريب اتغيرت، بقى لونها يشبه عيون التماسيح، منها هجم عليا، السولجان وقع من ايدي واتدحرج لأخر الغرفة، أما غريب على الرغم من ضعف جسمه، لكنه بقى أقوى كتير عن أي وقت تاني، وبضربة واحده خبطني في دماغي، أغمى عليا في اللحظة دي، ماعرفش أنا فضل مغمى عليا كام ساعة، لكن الصدمة لما صحيت.. صحيت لاقيت نفسي في البار، نفس المكان اللي قابلت فيه غريب من عشرين سنة، ده على الرغم اني مادخلتش البار ده من سنين، وأخرهم أول مقابلة ليا مع غريب.
ولو فاكر إن كل ده حلم، فأنا كمان حسيت بده، لكن لسه زي مانا، شديد الكبير في السن، شديد صاحب الخمسين سنة، سألت العامل في البار، قالي إني باجي هنا كل يوم من عشرين سنة!!.. يبقى معنى كده ايه؟؟.. اني بحلم؟
رجعت بيتي مرة تاني، لقيتوا مكركب، وكل الفلوس اللي كنت شايلها في الدولاب ومخبيها كانت اختفت، أكن في حرامي كان عارف أنا سايب ايه هنا، وفين دلوقتي.. بعدها استغل الفرصة وسرق كل حاجه، او اصلا ماكنش فيه فلوس وكل ده كان حلم، بس حلم ايه.. أنا متأكد من كل حاجه حصلت.
وقتها حسيت جسمي كله تلج من الخوف، ماكنش فارق معايا الفلوس، قد ما فرق معايا سلامة دماغي، وده اللي خلاني أخد بعضي وأطلع على البيت المهجور اللي كنت بقابل فيه غريب قبل أي نطه على المقابر، والمرعب إن الشقة هناك كانت محروقة، ومافيش أي أثر للحاجات اللي كانت موجوده هناك، ماكدبتش خبر وطلعت على بيت غريب، وهنا كانت الصاعقة، خبطت على الباب، لاقيت واحد أول مرة أشوفه فتحلي، سألني في الأول أنت مين، رديت عليه وأنا متعصب:
-فين غريب يا راجل يا مخبول انت، مانا مش هيتضحك عليا، انا مش مجنون يا غريب.. انت سامعني، اطلع لو كنت راجل.
كلام متلغبط، عفوي، ده كله لمحاولة تفادي تلف دماغي فعلا من الجنون اللي بيحصل ده، واللي يجن أكتر الراجل لما قال:
-غريب ايه يا راجل يا مخبول انت، دي شقتي، ملكي.. غريب ايه اللي انت بتتكلم عنه ده!!..
مسكت الراجل من البيچامة اللي لابسها، ولازقته في الحيطة بكل قوة، لدرجة إني شرخت الحيطة من الهبدة، بعدها صرخت في وشه وقولت:
-اللي قدامك ده دلوقتي، يبان عليه انه مجنون؟
بلع ريقه ورد عليا:
-لأ يا باشا، بس والله العظيم ده بيتي، أنا ماعرفش انت بتتكلم على مين، أنا من ساعة ما وعيت على الدنيا ووارث البيت ده من أبويا الله يرحمه، وعمري ما أجرت الشقة دي لحد.
بدأ جسمي كله يعرق، وحسيت بدوخه، وعيني كانت مزغلله، لكني هديت نفسي وكملت كلامي وأنا بقول:
-هو اللي قالك تقول الكلام ده مش كده؟
مالحقتش أسمع رده إلا وعضلات جسمي كلها ارتخت، ورجعت خطوتين لورا وأنا باخد نفس عميق، وبقطع التي شيرت اللي أنا لابسه من الخنقة اللي كنت حاسس بيها، لغاية ما وقعت على الأرض زي الطوبة اغمى عليا، والمرة دي لما فوقت كنت على سرير غريب، والراجل اللي ماعرفهوش كان واقف جنبي ومعاه الجيران كلهم وهما بيحاولوا يفوقوني، وصوت عيل صغير بيقول:
-شايف كل العضلات دي، بس راجل مجنون، العقل السليم.. في الجسم السليم.
والراجل صاحب الشقة، او المدعي بكده قرب مني وقال:
-الحمدلله انك بخير، دي حالة صرع بس وعدت على خير، انت بتاخد مهدئات؟
قومت وانا متعصب وقولت:
-صرع، صرع ايه يا راجل يا مخبول، انا شديد القوي، يعني نفوخي زي الصخر، وعضلاتي دبابة.
لاقيت راجل كبير في السن رد عليه وقال:
-مش بالعضل يابني، المرض مش عيب، قوم بس.. قوم ارجع بيتك، ولو عوزت دكتور تحت أمرك.
لولا إنه راجل كبير كنت عملت حاجه تانية خالص، وده اللي خلاني امسك اعصابي وارجع بيتي، بعدها فضلت أدور على أي حاجه تثبت صحة كلامي، وبالفعل لاقيت أوراق وحاجات، بس اللي تثبت إني مُختل، لاقيت روُشتات قديمة وإني كنت متابع مع دكاترة من سنين طويلة، ومن مدة قصيرة بطلت اروحلهم، بعدها بدأ يظهر عليا نوبات الصرع، واختراع مواقف أنا ماعيشتهاش، كلام العقل مايصدقهوش.
أخدت روشته من الروشتات اللي موجودة، واللي كانت بإسم أكتر دكتور موجود فيهم، يعني أكتر واحد روحتله، وده عشان أعرف حالتي، و ايه الكلام الغير منطقي اللي أنا عايش فيه ده، وبالفعل وصلت العيادة بتاعة الدكتور، ولحظي السيء لاقيته مش موجود، عرفت إنه اعتذر النهاردة وموجود في البيت، وبعد تهديد السكرتيرة اللي كانت بتقفل المكان وماشيه، قالتلي الدكتور ساكن فين.
خدت بعضي وطلعت على بيت الدكتور، خبطت الباب، خبطة.. التانية، الباب فتح، وهنا كانت الصدمة، غريب هو اللي فتحلي الباب، بس كان لابس نضارة و لبس مُحترم، مايديش خالص إنه غريب حرامي الترب، منها طلب مني أتفضل بعد ما رحب بيا ترحيب حار وقال:
-أحمد عبد القوي صلاح الدين، الملقب بشديد.. بطل قديم قرر يتخلى عن حلمه، اتفضل يا بطل.
دخلت البيت وأنا لساني معقود، حاسس إني عايز امسكه، أضربه، علي اللى بيننا خناقة أنا كده كده هكسب فيها، لكن صدمتي من اللي بيحصل خلتني أخش البيت الفخم اللي قصادي، وأبص يمين وشمال على عظمة المكان، وقد ايه هو مُرتب، ولما قعدت على كرسي مريح من الكراسي، وبدأت أسترخي، لاقيت غريب هو كمان قعد على الكرسي اللي قصادي، وقبل ما يتكلم قولت:
-انت ازاي كده، وايه اللي حصل لده كله، وفين غريب حرامي الترب.
رد عليا وهو مبتسم:
-من كتر ما حكيتلي عن مغامراتك معايا في سرقة الترب، قربت أصدق فعلا إني حرامي، وإني عارف المجهول، وقادر على نبش القبور، ده غير الإسم اللي نقيته ليا وسط الناس كتير، بس صدقني الإسم عجبني، غريب.. اسم موسيقي يا راجل.
ضحكت من رده المُنمق:
-ده واضح بقى إنك أنت اللي مجنون، ماهو مافيش حد عاقل يقول اللي أنت بتقولوا ده، ولا حادثة مراتك وابنك، اللي انت سبب في موتهم أثرت أكتر على مُخك اللاسع ده.
رد عليا وهو مبتسم:
-على الرغم إني مابحبش حد يتمنى الشر لمراتي وابني، لكنهم صاغ سليم الحمدلله..
بعدها نده على سيف بصوت عالي:
-يا سيف، تعالى يا سيف، عمو أحمد عايز يشوفك.
لحظات وسيف نزل على السلالم، وأول ما شافني خدني بالحضن، أكنه يعرفني بقاله سنين، واللي أكدلي ده جملته لما قال:
-بقالك كتير مش بتيجي يا عمو، وحشتني أوي، مش هتعلمني الملاكمة بقى زي ما كنت بتعلمني؟
وسط الكلام ده كله عيني لمحت الكتاب، الكتاب اللي روحنا فيه الرحلة المميته، واللي كانت سبب في كل ده، جريت على الكتاب وفتحته، لاقيته ورق فاضي، منها ملامحي اتغيرت، بقت ملامح غضب، وصرخت بصوت عالي:
-بقى هو ده اللي بسببه حصل ده كله، ورق فاضي!!
منها لفيت وشي لغريب، وكنت لسه هنطق، بس مالقتهوش، البيت كله كان فاضي، والدنيا مظلمة ده غير إنه كان بيت مهجور، مافيهوش روح ولا نفس، لكني حسيت بحركة في المكان، ولاقيت حاجه بتجري على الدور التاني، طلعت جري وراها أشوف في ايه، لاقيت غريب واقف على حافة شباك قديم، كان شكله مرعب، جسمه كله متحلل، وطريقته في الكلام مرعبة:
-لو مكاني كنت هتعمل أكتر من كده يا شديد، الكتاب ده ثروة، يقدر يحققلك كل حاجه انت بتتمناها، حتى لو كانت إنك تجنن صديقك وتعيشة في دايرة مغلقة مش هيطلع منها غير وهو ميت، أسف يا صاحبي، بس الكتاب ده أهم اكتشاف في حياتي، كتاب التابوت.
ردت عليه وأنا حاسس بالإنتصار وقولت:
-تقصد الكتاب ده؟
بصيت على ايدي لاقيت الكتاب اختفى، وبقى في ايد غريب، اتعصبت، الدم فار في جسمي، جريت على غريب أخد منه الكتاب، لكنه كان أذكى، وبخطوة شمال، وقعت أنا من الشباك، اغمى عليا، صحيت وأنا في المستشفى، كنت اتعميت، مش شايف حاجه، نظري راح مني، ولما سألتهم ايه اللي حصل، قالولي إني وقعت على راسي وأنا في المقابر بليل، وهما مش عارفين أنا كنت بعمل ايه هناك، بس أنا عارف، لأن وجودي في المقابر معناه حاجه واحده، إني كنت بنبش قبر، بس ايه هو، وليه الوقت ده بالذات، ده اللي هيجنني.
ولما الدكتور دخل الأوضة يتطمن عليا، قال:
-حمدلله على السلامة، احنا اسفين.. حاولنا نلحق عينك، بس الخبطة كانت اقوى من اننا نلحقها، طبيبك النفسي هيجي بعد شويه، احنا عرفنا انك بتتعالج على نفقة الدولة، ومن الواضح إن سبب وجودك في المقابر دكتورك هو الوحيد اللي يعرفه.
كلام الدكتور انتهى على كده، منها سمعت صوت رجلين جنبي، وحد بيهمس في ودني وبيقول:
-الدايرة يا شديد، الدايرة.
ده كان صوت غريب.. غريب صاحبي.
القصة انتهت على كده، والتقارير كلها اكدت ان شديد مريض نفسي، بس هل المريض النفسي ممكن يخترع العالم ده كله لوحده، ولا شديد شاف حاجه احنا مش شايفنها، عشان لو مافيش أي حاجة من دي حقيقية، فالدايرة دي نظامها ايه، لو حقيقية فعلا، ممكن تعيشك ازاي!!