حكاية بازار القلعة بقلم الكاتب محمد شعبان العارف
في يوم من أيام شتا سنة ٢٠٠٥.. يومها كان الحاج (رأفت العزازي) بيحفر في ارضية مخزن البازار بتاعه، اصله خلاص.. قرر أخيرًا انه يجدده عشان يمشي مع الموضة، لكن قبل ما يبدأ في التجديد، كان لازم يحفر تحت أرضية المخزن ويطلع سر اندفن من حوالي ٣٠ سنة او اكتر.. او بالتحديد، هو مش سر، هي شنطة كبيرة من الشنط المربعة القديمة، شنطة ليها قفل.. لونها بيچ فاتح ومبقعة، انتيكة.. شكلها بيقول انها انتيكة.
حكاية بازار القلعة بقلم الكاتب محمد شعبان العارف |
خرجها رأفت وردم الحفرة كويس وشالها وهو جسمه مليان عرق، وبعد ما مسح العرق عن جبينه، مسكها وحطها في رف الانتيكات المتشالة بعيد عشان التجديد، وعشان ماحدش يقرب منها ولا يلمسها وتبان انها تحفة أثرية، حط عليها ورقة من الاوراق اللي كان بيحطها على التحف الغالية، وعشان قيمة الشنطة تزيد وماحدش يفكر بس انه يمد ايده عليها من العمال اللي هيشتغلوا في البازار، لزق عليها ورقة مكتوب فيها (تحفة أثرية نادرة من مُقتنيات الملك فؤاد).. وبعد ما لزق الورقة على الشنطة اللي اتحطت جنب التحف في الرف الاخير، خرج من المخزن وراح ناحية باب البازار المقفول وفتحه، خرج من البازار وقفل الباب على أمل انه هيرجع بكرة ويقف مع العمال اللي بيجددوا المكان، لكن عم رأفت اللي معدي الستين بحوالي اربع سنين وشهور، بعد ما مشي كام خطوة في طريقه لبيته، حس ان الدنيا بتزغلل، صدره بيوجعه، البراح بيضيق!.. وقف في مكانه ومسك صدره وكح كحتين بالعدد، وبعدهم، وقع على الأرض وبص للسما.. بصلها البصة الأخيرة.. ايوه.. عم رأفت مات وساب وراه سر كبير.. او بمعنى أوضح.. ساب وراه دايرة كبيرة من دواير الدم.. دايرة هتفضل مكملة طول ما جواها الرُفات.
ايه؟.. فضولك خلاك تكمل وعاوز تعرف ايه اللي جوة الشنطة!.. ماشي.. كمل معايا وانت هتعرف...
(المكان: القاهرة- جوة بيت من بيوت حي الدرب الاحمر.
الزمان: يوم ١ رمضان عام ١٩٧٣ ميلاديًا.. بالظبط بعد أذان المغرب بدقايق)
في الوقت ده كان قاعد على اول كرسي من كراسي السفرة، التاجر الكبير صلاح بجاتو.. وعلى يمينه كانت قاعدة مراته الوحيدة، سونيا المهدي، وقصاد سونيا بالظبط كان قاعد صديق العِيلة الأول، خالد كرامات، وعلى الكرسي اللي جنب خالد، كان قاعد صديق العِيلة التاني، رأفت العزازي.
بعد ما الحاج صلاح واللي بالمناسبة يعني عنده ٤٠ سنة، بس هم بيقولوا له ياحاج عشان تاجر قماش كبير أبًا عن جد.. بعد ما خلص أكل بص للي قاعدين وابتسم..
-الحمد لله.. ربنا يديمها نعمة ويحفظها من الزوال.
لما قال كده، ابتسم رأفت وهو بياخد بوق من كوباية العصير اللي كانت قدامه..
-اللهم أمين.. يدوم العز ياحاج صلاح.
بص له صلاح باستغراب وسأله..
-يدوم العز ياحاج صلاح!.. جرى ايه يارأفت، انت هتعملي فيها خواجة ولا ايه، ما تاكل ياجدع، ده انت كنت صايم..
-لا ما هو انا...
قاطعه خالد قبل يكمل..
-انت ايه ياعم رأفت، ما تاكل ياابني، هو انت لحقت؟!
بص له رأفت بصة ضيق، كانت بصة معناها كفاية بقى، الأصول بتقول ان طالما صاحب البيت هيقوم، يبقى كلنا لازم نقوم، لكن صلاح كان مركز مع رأفت، وبسبب بصة رأفت لخالد، بص صلاح لسونيا مراته وهو بيخبط على بطنه..
-ايه ده!.. الظاهر اني لسه جعان، بقولك ايه ونبي ياسونيا، قومي اغرفيلنا شوية رز وطبيخ.
بصت سونيا لصلاح بقرف وعملت اللي قالها عليه، وبعد ما الأكل اتحط والحاج صلاح عمل نفسه انه بياكل عشان مايحرجش رأفت، وبعد ما رأفت خلص أكل وخالد حرفيًا مسح الاطباق، مسح رأفت إيده في منديل قماش كان جنبه على الترابيزة وبص للحاج صلاح وابتسم..
-يدوم العز بقى ياحاج.. انا كده تمام و١٠٠ فل وعشرة.
-الف هنا يااخويا، وانت ياخالد.. شبعت؟!
بص له خالد وابتسم..
-مع أن أكل بيتك مايتشبعش منه ياحاج، بس انا مظبوط.. كده رضا.
-الف هنا يارجالة.. انا قايم بقى اغسل إيدي... اه، ماتنسيش الشاي ياسونيا، اعمليه وهاتيهولنا على أوضة الأنتريه.
قام الحاج صلاح ودخل الحمام، ومن بعده قام رأفت عشان يغسل ايده هو كمان، والمفروض ان خالد كان يقوم زيهم، لكن خالد لما قام، ماراحش ورا رأفت اللي وقف عند باب الحمام، ده كان بيساعد سونيا في لم الأطباق وكان بيبصلها وبيبتسم، وبعد ما ساعدها وهي دخلت المطبخ بالاطباق، راح خالد ووقف جنب رأفت واستنوا صلاح لحد ما خلص وخرج، وبعد خروجه، راح على الصالون ومن بعده رأفت وخالد، قعدوا يسمعوا الراديو ويتسامروا، وفي وسط كلامهم، دخلت سونيا وقدمت الشاي وبعد كده خرجت، ومع خروجها، كان خالد بيبصلها بنظرات من تحت لتحت، نظرات ماحدش خد باله منها غير رأفت، لكن لأ.. رأفت كان بيكدب نفسه، ما هو مش معقول خالد كرامات ابن الجزار الكبير، الحاج نعمة كرامات، يبص لمرات صاحبه.. إنما.. إنما ايه؟!.. مش مهم، ماتشغلش بالك يارأفت، وفعلًا رأفت ماشغلش باله وفضل يتسامر مع صلاح وخالد لحد ما اتكلم خالد وقالهم انه هيمشي عشان امه تعبانة ولازم يبقى جنبها، ومشي، بس بعد ما مشي، رأفت فضل قاعد عشان يتكلم مع الحاج صلاح في موضوع مهم..
-قولي بقى ياعم رأفت، موضوع ايه المهم اللي كنت عاوزني فيه.. مش انت يوم الرؤية فوتت عليا في دُكان الغورية وقولتلي انك هتكلمني في موضوع مهم بعد ما نفطر سوا اول يوم؟!.. وادينا اهو، فطرنا وحلينا وحبسنا بالشاي والدخان كمان، ايه بقى العبارة؟
فرك رأفت صوابعه في بعض، كان باين عليه انه محرج، بس قبل ما يبدأ ويتهته في الكلام كعادته لما بيكون متوتر، اتكلم الحاج صلاح بصنعة لطافة...
-ايه ياغالي ياابن الغالي، مالك، مكسوف مني يارأفت ولا ايه، يااخي ده اجنا جيران وابوك الله يرحمه يعتبر هو اللي مربيني؟.. ما تتكلم وتيجي دوغري، لو عاوز فلوس، اؤمرني، اخوك الكبير رقبته سدادة.
-بصراحة كده ياحاج صلاح، اه.. انت عارف ان بعد ما مراتي الأولانية ماتت وانا بقيت متلطم، مصاريف عيالي واخواتي البنات وامي، قطموا وسطي، وزي ما انت شايف، اللي جاي اقل من اللي رايح، والشغل عند الناس عامل زي الحصى، مابيبنيش بيوت، وعشان كده خلاص قررت، انا هفتح الدكانة بتاعت ابويا اللي يرحمه.
هرش الحاج صلاح في راسه وبعد كده بص لرأفت..
-دكانة القلعة؟!.. بس دي عليها إيجار متأخر بالكوم، ده غير انها عاوزة تصليحات كمان!
-اه يامعلم ما انا عارف، بس ماتشغلش بالك بالموضوع ده، انا امي الله يباركلها كانت داخلة جمعية وقبضتها، وبفلوس الجمعية هدفع الإيجار المتأخر لصاحب المكان وهصلحه وانضف حواليه، بس الأهم من كل ده بقى واللي انا محتاج فلوس عشانه، هي البضاعة.. انا محتاج اجيب بضاعة للمحل، بس بما اني هحط كل اللي حيلتي في الإيجار والتصليحات، فانا مش هيبقى معايا الا ملاليم.
-معلوم برضك، بس السؤال المهم هنا، انت هتفتح المحل ايه؟!
-هفتحه الصنعة اللي بفهم فيها، ما انت عارف، انا بقالي سنين شغال مع عم كتاكت.
-يعني انت هتفتح الدكانة بتاعت ابوك الله يرحمه، زي ما فاتح عمك كتاكت بتاع الانتيكات؟!.. غريبة!.. وليه ماتفتحهاش ترزي زي الحاج ما كان فاتحها؟!
-ياحاج صلاح دي لا صنعتي ولا كاري ولا بفهم فيها من اساسه، انا من صغري وانا بشتغل بياع انتيكات.
-خلاص.. عالبركة، هتعوز كام؟!
-يعني.. سكة ١٥٠٠ جنيه.
-ياسلام.. بس كده.. انت تؤمر ياغالي ياابن الغالي، بس اعمل حسابك، الوصولات تتسدد في معادها.. وماتقلقش، المعاد انت اللي هتحدده.
-وصولات!.. وصولات ايه ياحاج؟!
-وصولات الأمانة ياغالي، ولا انت مش عاوز اخوك الكبير يضمن حقه وراس ماله؟!
-لا ازاي.. على رأيك، معلوم برضه.
-استبينا.. هقوم اجيبلك الفلوس ووصلات الأمانة.
وفعلًا، قام الحاج صلاح ودخل أوضة نومه، فتح دولابه وطلع منه ١٥٠٠ جنيه ودفتر الوصولات، وبعد ما رجع لأوضة الانتريه، ادى الفلوس لرأفت وخلاه يمضي على الوصولات اللي حدد فيها المعاد بعد ست شهور.. وبعد ما ده حصل، قام رأفت وخد الفلوس وروح على بيته، اما صلاح، فبعد ما قعد شوية وسمع التواشيح في الراديو، قام من مكانه وقال لمراته انه هيدخل يريح شوية وطلب منها تصحيه عالسحور، لكن مراته كانت كعادتها في الفترة الأخيرة، بصت له من فوق لتحت بقرف وقالتله ماشي، كانت من جواها بتدعي انه ينام مايقومش، وده بسبب معاملته القاسية ليها في الفترة الأخيرة، وكمان بسبب انهم لحد النهاردة وبعد تسع سنين جواز، لسه ماخلفوش.. بس صلاح ماهتمش بنظراتها ولا بأسلوبها ودخل ينام.. اصله خلاص، كان اتعود منها على المعاملة دي بقاله فترة.
(المكان: القاهرة - جوة شقة فخمة من شقق المعادي.
الزمان: يوم ٢٠ نوفمبر سنة ٢٠٠٥)
جوة شقة الشاب احمد طاهر، وبالتحديد في الفراندا، كان قاعد احمد وقصاده اللاب توب بتاعه على ترابيزة صغيرة، وعلى يمينه، كانت قاعدة صاحبته وحبيبته أمنية ابو النجا، وعلى شماله كان قاعد صاحبه الاقرب أمجد الدكروى.. كلهم كانوا مركزين في الصور اللي بيقلب فيها أحمد، كانت صور لأنتيكات، وبعد ما فرجهم على كام صورة، وقف تقليب وبص لهم..
-ها.. ايه رأيكوا؟!
بصتله أمنية بانبهار وسعادة...
-تحف ياحبيبي.. بجد تحف.
-لا ولسه.. احنا محتاجين تحف اكتر... ها ياأمجد، وقعتلنا على أي مزاد لبيع الأنتيكات زي ما اتفقنا؟!
رد أمجد عليه..
-اه طبعًا، وقعت على مزاد انما ايه، لُقطة.. شوف ياسيدي، في محل في منطقة القلعة كان صاحبه فاتحه بازار، المحل ده كان مفتوح من زمن الزمن، مليان أنتيكات وتحف هتنفعنا اوي في البازار اللي عاوزين نفتحه.
-طب وده صاحبه هيبيع التحف اللي عنده ليه؟!
-هقولك، صاحب المحل كان راجل كبير اسمه الحاج رأفت العزازي، الراجل ده من فترة كده كان بيجدد المكان، لكن في يوم وهو مروح بيته، تعب، وفي لحظة جت له سكتة قلبية وربك استرد أمانته، وبما أن الراجل ماعندوش غير بنت متجوزة وعايشة برة مصر، وولد عايش هنا بس بيشتغل مهندس تعدين، فاخت المهندس فوضت اخوها عشان يبيع المحل والانتيكات اللي جواه لأنهم مش فاضين للشغلانة دي من أساسه، ومن هنا الفكرة جت.. المهندس مصطفى رأفت العزازي، هيعمل مزاد كمان اسبوع عشان يبيع كل التحف اللي في المحل.
لما أمجد خلص كلامه، بصت له أمنية وهي فرحانة..
-الله.. طب وانت وقعت على المزاد ده ازاي؟
-عيل من العيال اللي كانوا بيشتغلوا في المحل مع الحاج رأفت كان معانا في كلية تجارة وهو اللي قالي عليه، ما انت عارفه يااحمد.. الواد سعيد ابو نضارة، الواد مدهول الدفعة ده.
-ايوه ايوه افتكرته، ده كان مسخرة.. عمومًا فكك منه وخلينا في المزاد، احنا دلوقتي لما نروح هناك عاوزين حاجات أثرية، وخد بالك،
كل ما الحاجة تبقى أقدم وليها قيمة، كل ما وجودها في محلنا هيكون مهم.
-ان شاء الله خير، وبعدين كده كده انت هتكون معانا، يعني كل حاجة هتبقى قصادك.
-اشطة اوي، توكلنا على الله.
-ربنا يوفقك ياحبيبي.
لما أمنية قالت كده لاحمد، بصلها وبص لأمجد..
-اسمها ربنا يوفقنا، المشروع ده حلمنا احنا التلاتة، هو اه انا مشارك بأكبر نسبة فيكوا، لكن ده مايمنعش ان انتوا.. او بالتحديد يعني أمجد، هيسد فرق النسبة بوقوفه في المكان باستمرار، على الأقل في أول كام شهر.
-ياسلام؟!.. واشمعنى انا يعني اللي اقف في المكان لوحدي؟!
لما أمجد قال كده، رد عليه أحمد بتلقائية..
-لأني ببساطة بعد افتتاح البازار، هتجوز..
برقتله أمنية اول ما قال كده..
-هتتجوز!
-ايوه.. هتجوزك انتي وهنروح نقضي شهر العسل في المكان اللي تختاريه... ماتستغربيش.. انا مع بداية المشروع ده ناوي افتح صفحة جديدة مع الدنيا كلها، والصفحة دي مش هينفع يتكتب بدايتها الا بوجودك وبوجود أمجد.. اقرب اتنين ليا في الدنيا بعد موت امي ومن بعدها ابويا.
أمنية كانت عينيها بتلمع من الفرحة، قامت من مكانها وفضلت تتنط لحد ما وقفت ورا الكرسي اللي احمد قاعد عليه وحضنته من ورا، بس على الناحية التانية، كان أمجد بيبص لهم ابتسامة بهتانة، صفرا، ومع ابتسامته جز على سنانه وقالهم..
-الف مبروك.. الف مبروك ياصاحبي.
(المكان: القاهرة - جوة محل بجاتو لتجارة الأقمشة في حي الغورية.
الزمان: نهار يوم ٨ رمضان سنة ١٩٧٣)
في اليوم ده كان قاعد الحاج صلاح جوة دكانته، وقبل أذان العصر بشوية، دخل عليه رأفت.. قام وقف ورحب بيه، وبعد السلامات قعد صلاح على كرسي ورا المكتب، ومن بعده قعد رأفت على كرسي من الكرسيين اللي قصاده..
-اهلًا وسهلًا يارأفت يااخويا، خطوة عزيزة، كان بودي والله اقولك تشرب ايه، بس زي ما انت عارف بقى، الدنيا صيام.
-يدوم العز ياحاج صلاح، ربنا يتقبل.
-منا ومنكم ياغالي.. اؤمرني.
-الأمر لله.. انا بس كنت جاي وقاصدك في خدمة.
-عنيا.
-الألف و٥٠٠ جنيه اللي خدتهم منك ماكفوش، فكنت بستسمحك يعني لو تشوفلي معاك ٥٠٠ كمان.. وماتقلقش، انا هكتبلك بيهم وصل أمانة.
-معلوم، وصل الأمانة ده شرط أساسي، بس المُشكل هنا في حاجة، انا ال ٥٠٠ جنيه دول مش معايا دلوقتي، ممكن تفوت عليا بعد بكرة في البيت بعد الفطار، هكون جهزتهملك.
-يافرج الله.. روح ياحاج، الله يغنيك كمان وكمان.. ربنا يوسع رزقك ياابو المعلوم كله.
-ويباركلك ياغالي ياابن الغالي... بس انا مش عاوزك تدعيلي بالغنى وانت صايم كده، انا عاوزك تدعيلي ان ربنا يروق بالي ويهدي سري انا والولية.
-يهدي سرك انت والحاجة؟!.. ليه ياحاج، في ايه؟!.. خير كفى الله الشر!
-مافيش ياسيدي، انت عارف ان احنا عندنا أزمة في مسئلة الخلفة ديهيا.
-مظبوط.
-بس المُشكل هنا بقى ان انا اللي فيا الأزمة، مش هي، بس انا تملي بقولها ان انا زي الفل وصاغ وسليم، اما الحقيقة، ف انا مش كده، انا اتجوزت عليها ومن وراها بدل الحرمة تلاتة، والتلاتة ماجيبتش منهم ضفر عيل.
-لا حول ولا قوة الا بالله.. طب وبعدين ياحاج؟!
-ولا قبلين، انا لما عرفت ان جانب الخلفة عندي مضروب، عدم اللامؤاخذة يعني، روحت لعطارين ودكاترة ياما، ماخلتش، بس كلهم قالوا لي نفس الكلام، انت مافيش منك رجا.
-طب وانت ليه ماقولتش للحاجة سونيا على اللي عندك؟
-عشان هتسيبني وتمشي لو عرفت يارأفت، اه.. ما هو الأصل غلاب، انت ناسي هي بنت مين واهلها أصلهم ايه؟
-لا اله الا الله... هو مش الموضوع ده اتردم عليه ياحاج واهلها من زمن الزمن وهم غيروا دينهم وبقوا عايشين معانا وزيهم زينا؟!
-برضك لأ، دول غدارين ومالهمش أمان، وبيني وبينك كده انا مش قادر اصدق انهم صافين من نواحينا الا لما أرضنا ترجع واشوف الفرحة في عينيهم... وحتى لو حصل، برضه مش هديهم الأمان.
-طب بقولك ايه ياحاج، ما طالما انت مش طايق اهلها بالشكل ده وشايف انها ممكن تكون غدارة زيهم، ما تطلقها.. طلقها واتجوز واحدة تانية، انت ألف مين تتمناك.
-وانا مابتمناش غيرها يارأفت.. بنت الأبالسة معششة جوة قلبي، لكن اهلها، لأ.. مابقبلهمش، حتى لو شوفتهم وهم قايمين قصادي من عالسجادة، ماصدقش انهم بقوا زينا.
-طب والعمل ياحاج؟!
-مش عارف.. انا بقالي فترة كده ملاحظ انها متغيرة معايا، ماعرفش هي زهقت مني ولا حد قالها حاجة من النسوان اللي كنت بتجوزهم... بجد مش عارف.
-طب ما تسألها.
-انت غشيم يارأفت، بقولك خايف يكون حد قالها حاجة، انما مش متأكد، يعني ممكن تكون ماتعرفش وقلبتها دي بسبب خنقتها من قعدة البيت، او ممكن تكون بسبب اني محرج عليها تروح لأهلها في حارة اليهود.. تقوم انت تيجي وتقولي اقولها عشان افضح نفسي!
-طيب.. انا عندي فكرة حلوة.
-قول ياابو الأفكار.
-انت تاخدها وتطلعوا تغيروا جو في أي حتة.
-طب والله فكرة.. اول ما ناخد أجازة العيد هعمل كده طوالي، تسلم أفكارك ياابن العزازي يامعلمة.
-الله يعز مقدارك ياعم صلاح، بس قولي بقى، اجيلك امتى بعد الفطار بالظبط؟!
-اااه.. تقصد بعد بكرة يعني؟.. هقولك، انت ماتجيش عالفطار، انت تيجي عالسحور، اصل انا احتمال اروح مشوار لجماعة حبايبي في الجيزة واجي في الوخري، فانت الأضمنلك يعني انك تيجيلي على وقت السحور كده، قبل الفجر بيجي ساعة ساعة ونص، واهو منها نتسحر سوا وانت تاخد فلوسك وتمضيلي الوصل، وبعد ما نخلص، نبقى ننزل نصلي الفجر حاضر.
-حاضر ياحاج.. اتفقنا.. سلامو عليكوا.
-وعليكم السلام ياغالي.
(المكان: القاهرة - بازار العزازي بحي القلعة.
الزمان: نهار ٢٧ نوفمبر سنة ٢٠٠٥)
في نُص المزاد، ووقت ما كانوا الناس اللي بيشتروا قاعدين، كانوا قاعدين وسطهم التلاتة، أمجد واحمد وأمنية، والحقيقة ان التلاتة كانوا اشتروا شوية انتيكات وكانوا ناوين يمشوا، لكنهم قعدوا وركزوا لما اللي واقف قصادهم طلع شنطة متغلفة بكيس شفاف، كانت نفس الشنطة اللي طلعها رأفت ليلة موته من تحت المخزن.. الغلاف بتاع الشنطة كان مكتوب عليه بالبنط العريض نفس الكلام، تلك الشنطة هي من مقتنيات الملك فؤاد.. وبعد خروج الشنطة، ابتدا المزاد عليها بخمس تلاف جنيه... لكن من وسط اللي قاعدين، ظهر شاب وبدأ يزود في السعر..
-انا بقول ٥٥٠٠ جنيه.
-الاستاذ بيقول ٥٥٠٠.. ها.. مين يزود.
احمد اتعصب لما سمع السعر ده وحس ان حد هياخد منه الشنطة اللي خطفت عينه اول ما شافها، ولانها دخلت دماغه ولانه شخص عِندي، قام وقف وقال للراجل اللي بيدير المزاد..
-انا هزود.. ١٠ تلاف.
بصوا كل اللي قاعدين لاحمد، بما فيهم أمجد وأمنية، اما الشاب اللي زود ٥٠٠ جنيه، فبصته لاحمد كانت مختلفة، بص له بتحدي، وقبل ما اللي بيدير المزاد يتكلم، الشاب قام وقف وقال بعلو صوته..
-١١ الف جنيه.
-١١ الف جنيه عند الاستاذ.. ها مين يزود.
احمد وقتها اتعصب اكتر وبص للشاب وابتسم..
-١٥ ألف..
-١٥ الف جنيه.. مين يزود.
وقتها الشاب سكت وخد بعضه وقام مشي، وبمجرد ما مشي كل اللي قاعدين سكتوا، وفي النهاية، مزاد الشنطة رسي على احمد.. احمد اللي خدها هي وبقية الانتيكات بعد ما دفع فلوسهم عن طريق شيكات مستحقة الدفع، وراح هو وأمنية وأمجد للمحل اللي خدوه في منطقة قريبة من الاهرامات عشان يفتحوه بازار... وبعد ما ساق احمد، وكانوا الاتنين اللي معاه ساكتين طول الطريق، وصلوا للمحل... وبمجرد ما وصلوا ودخلوا الحاجة، أنفجر أمجد فيه..
-جرى ايه ياعم.. انت اي حاجة تدفع فيها ألوفات.. ما جايز تكون مش أصلية، انت مش شايف شكلها عامل ازاي؟!
بص له احمد وضحك بخباثة..
-انا عارف انها ممكن تكون مش أصلية، بس انا مابحبش حد يعاندني، أمجد.. انا اللي ياخد مني حاجة انا عايزها، اشتريه هو واللي جابوه، ولو ماعرفتش، امحيه من على وش الأرض.. يوووه.. نستني ياعم اللي كنت ناوي اعمله لما اجي، الحمد لله اني افتكرت.. يلا.. هات شاكوش من جوة.
-شاكوش!.. شاكوش لأيه؟!
-هنكسر القفل اللي عالشنطة.
-لا ياراجل.. وانت متوقع انك تلاقي فيها حاجة من أصله!
-اهو.. هنشوف، اصل تقلها ده مش طبيعي، انا عارف ان الشنط القديمة دي بتبقى تقيلة، لكن الشنطة دي بالذات انا حاسس ان جواها حاجة.. ياعم انت هتبرقلي، يلا انجز، روح هات الشاكوش.
مشي أمجد ودخل جاب شاكوش من عدة العمال اللي كانوا شغالين في توضيب المكان قبل افتتاحه، وعقبال ما رجع بالشاكوش، كان احمد هو وامنية طلعوا الشنطة من الكيس الشفاف، وبمجرد ما ما احمد مسك الشاكوش من أمجد، خبط عالقفل كذا خبطة عشان يتكسر، لكن.. لكن اول ما القفل اتكسر وفتح احمد الشنطة، التلاتة برقوا للحظات، اتصدموا، اللي جوة الشنطة كانت كارثة..
-يانهار اسود ومنيل يااحمد.. دددد... ددده عضم بني أدم!
بعد ما أمنية قالت كده بص لها احمد وهو لسه مذهول، اما أمجد، فبص للعضم المتكسر والرُفات اللي جنبه في الشنطة، وبعد كده بص لاحمد..
-مش قولتلك.. انا قلبي ماكنش مرتاح من الأول... ادينا لبسنا مصيبة.
في اللحظة دي ومن غير ولا كلمة، طلع احمد موبايله واتصل بالبوليس..
-الو.. ايو يافندم.. انا عايز ابلغ عن مصيبة كبيرة وقعت تحت إيدي بالصدفة.. حاضر.. هملي لحضرتك العنوان.
الجزء التاني