أفكار مسمومة بقلم الكاتب أحمد محمود شرقاوي
"الراجل مايعيبوش الا جيبه"
كنت كل اما اروح بيت امي مضروبة، متهانة، ممسوح بكرامتي الأرض واشتكي اسمع نفس الجملة، وكأن ده قانون الهي منزل من السماء، وكأن الراجل فعلا طول ما هو معاه فلوس فهو مباح له يعمل اي حاجة في الست..
أفكار مسمومة بقلم الكاتب أحمد محمود شرقاوي |
الست اللي في بلدنا بتتعامل زي الدمية، انسان درجة تانية، ولا بيتبعوا دين ولا مبدأ ولا اي حاجة، مجرد عاهات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، كنت منهارة، ببكي، وشي كله وارم من الضرب ودراعي مجزوع..
وكأني كنت بتخانق مع عشرين راجل خناقة موت، وامي قاعدة بكل سلبية تتهمني اني انا اللي غلطت والمفروض معصبوش، وقررت اسكت، اسكت تماما...
وتاني يوم بالليل جه يضحك ضحكته السمجة، والاشد سماجة هي كلمات امي قدامه
- يا بنتي بيدلع عليكي شوية
ورجعت معاه، مهو عندنا مفيش حاجة اسمها طلاق، متذكرش في الكتاب المقدس بتاع بلدنا، كنت فعلا حاسة بقهر ملوش حدود، وكأن روحي مش طايقة الجسم ده..
وبدأت احاول اتلاشاه بقدر الامكان، كنت بحس اني بتحرق كل ما كان بيقرب مني، وكأنها لحظات العذاب اسبوعيا، وكأن الدنيا كلها قررت تعاقبني على غلطة ارتكبها اهلي في حقي...
ومرت الايام بهدوء، الهدوء اللي كان بيسبق العاصفة، والاسوأ اني حملت، حملت وهجيب شخص يعاني في الدنيا من ابوه المريض ده..
لحد ما جت ليلة العيد، خرج مع اصحابه ورجع بعد منتصف الليل شارب مخدرات وراجع مش شايف قدامه، بصلي وفضل يغني بصوت خشن من تأثير الحشيش، عينيه كانت حمرة، وشه اسود، كأني كنت شايفة شيطان قدامي..
ولقيته بيشدني بالعافية عشان يحضني، ريحة انفاسه كانت بشعة، بشعة جدا، دفعته بعنف وانا قرفانة، كنت فاكرة ان شكل بطني هيخليه ميقربش مني..
بس كنت موهومة، موهومة لأقصى درجة، وبكل قوته نزل بكف ايده على وشي، جسمي كله اترج من الضربة، حسيت بنار بتغلي جوايا، بصيت جمبي لقيت المكواة على الكرسي..
وبكل غضب السنين مسكتها وضربته في راسه، وقف زي الصنم مذهول، حط ايده على راسه لقى الدم نازل زي النافورة...
وهي لحظات، لحظات ولقيت قبضة ايده بتنور في وشي، وقعت، وقعت وانا عنيا مش شايفة بيها خالص، صرخت، وصرخت اكتر لما نزل برجليه في بطني..
طاخ
طاخ
كنت حاسة ان روحي بتتنفض من الوجع، نار ولعت في بطني..
بدأت انوح وبصوت واهن اقول..
- انا حامل، حامل
بس هو مرحمنيش، وجاب خشبة ضخمة و
طاخ
طاخ
طاخ
روحي كانت بتخرج، شوفت ملك الموت جاي من بعيد، شوفت ابويا المتوفي واقف جمبي حزين..
وجع
وجع
سواد
لحظات صعبة، صعبة جدا، وبكل ما املك صرخت اخر صرخة، اخر صرخة ووقعت في دوامة مظلمة..
في اللحظات دي الناس كسروا باب البيت ومسكوه، كل اللي سمعته قبا ما اقع في غيبوبتي هي الكلمة دي
- وحد الله ياعم دي ليلة العيد
ورددت بابتسامة ميتة
- العيد
فقت عشان الاقي نفسي في مستشفى، كانت امي بتبكي، بتبكي بحرقة، مقدرتش احرك رجلي خالص، صدري مكنش بيتحرك وكأن ضلوعه اتكسرت..
كل اللي سمعته من امي كلمة..
- سامحيني يا بنتي
رديت عليها بصوت بيترعش
- الراجل مايعيبوش الا جيبه
وشهقت، شهقت، و
لا اله الا الله، محمد رسول الله
↚
ماتت حنان، ماتت بسبب عنف شخص متخلف، غير آدمي، بسبب عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، واللي ورايا ده القاتل، القذر، اللي تجرد من كل معالم الانسانية، اللي قتل مراته وطفلها وخلاها تقضي عيدها في قبرها..
ده كان كلام الاعلامية الشهيرة اللي كلنا عارفينها، كان شعبان في قبضة الشرطة، كان باصص بغضب تجاه المذيعة، حتى لما سألته:
- قتلتها ليه
- دي مراتي ومحدش ليه دعوة
- ان شاء الله عشماوي هيكون له احلى دعوة لما تتعلق زي الدبيحة على حبل المشنقة
................
ودخل شعبان في سجن انفرادي لحد ما ينتظر حكم المحكمة، وبدأ العذاب، العذاب الغيبي، ومن أول ليلة بدأ الصراخ، صراخ في زنزانة شعبان، ولما دخل العسكري لقاه منزوي في ركن الزنزانة وبيصرخ:
- ابعدها عني، ابعدها عني
الزنزانة كانت فاضية، بس انف شعبان كان بينزف، بينزف بغزارة، واتحول للعيادة، ورجع تاني للزنزانة، تاني ليلة بدأ يخبط براسه زي المجنون في باب الزنزانة، راسه بقت بتنزف ومناخيره، ونفس الكلمات بيرددها بأعين زائغة:
- ابعدوها عني، ابعدوها عني
واتحط معاه حراسة جوة الزنزانة، بل واتربط بسلاسل عشان ميقتلش نفسه، وبدأ الراجل يتنفض في نومه، وصحيانه، يشاور على اماكن فاضية ويعتذر، يبكي، يطلب الرحمة..
حتى لما جاله طبيب نفسي، الطبيب رفض تحويله للمصحة، وقال انه يستحق حكم المحكمة، لانه في كامل قواه العقلية، ونطق القاضي، نطق بتحويل اوراق شعبان لفضيلة المفتي..
وهناك في غرفة الموت كان عشماوي مستني، الحبل كان بيتهز بعنف، كان مستعجل عشان يقتص للبريئة، واتعلق شعبان في الحبل، شعبان اللي قبل موته بلحظات بص للفراغ وقالها:
- سامحيني
بعدها تبول على نفسه، صوت جذب فرامل المشنقة، وبعدها جسد تعلق في الفراغ قتيل، واتنصبت محكمة الاخرة التي لا يظلم فيها احد..
بقلم: أحمد محمود شرقاوي