دجال الكنوز بقلم أحمد محمود شرقاوى
أبويا كان عنده هوس من سنين طويلة بموضوع الآثار, وعنده يقين تام إن البيت بتاعنا تحته مقبرة أثرية كبيرة هتخليه يطلع على وش الدنيا ويبني البيت الكبير اللي بيحلم بيه على أول البلد, بيت بحديقة كبيرة وحوليه سور ضخم, والبيت من جوة هيبقا عامل زي القصر, عشان كدا تقريبا أفنى عُمره كله في الموضوع ده, ودخل علينا البيت يمكن أكتر من 40 شيخ وكلهم بيأكدوا إن المقبرة تحت البيت, بس محدش منهم بيعرف يطلع حاجة من الدهب, كلهم مجرد كلام على الفاضي, وكل واحد منهم كان بيمشي كان بيسيب جرح كبير جوة أبويا, وبيحطم الف رغبة وأمنية جواه إن الدهب ده يخرج..
لدرجة إن وصل بينا الحال إن أبويا ساب البيت والشُغل خالص وبقا مسخر كل وقته لزيارة السحرة والدجالين والروحانيين وبتوع الآثار, لدرجة إنه في مرة خد دهب أمي كله بالغصب عشان يسافر بتمنه ويزور ساحر مغربي شهير ويقنعه إنه يجي يفتح المقبرة اللي تحت بيتنا, بس للأسف زي ما راح زي ما جه, وموقفش معانا طول السنين دي كلها غير عمي عطية, لما لقى أخوه شبه اتجنن بسبب موضوع الآثار وإننا هنموت من الجوع قرر يتكفل بيا أنا وأمي, ويحاول يرجع أخوه عن اللي في دماغه..
بس واضح إن أبويا مكنش ناوي يتراجع غير بالموت, ولما الأمور اتأزمت أكتر قرر أبويا يجيب حفارين ويحفروا تحت البيت, ويحاول هو يفتح المقبرة, ولما عارضناه كان هيموتنا أنا وأمي, محدش فينا كان يقدر يقف قدامه, وفعلا جاب الحفارين وبدأوا يحفروا في أكتر مكان اتقال إن المقبرة تحته, وفضلوا تقريبا اسبوع يحفروا لحد ما وصلوا لحيطة سد, وواحد من الحفارين قال إن اللي بعد الحيطة دي هو الدهب ولازم شيخ متمكن يجي يفتح باب المقبرة اللي كان عبارة عن صخرة ضخمة مبتتكسرش..
وواحد من الحفارين فعلا قدر يدله على واحد من السحرة وفضل يقول شِعر في الراجل لحد ما أبويا اقتنع تماما وبعتله, واشترط الدجال عشان بس يجي ويكشف في المكان هياخد 10 الاف جنيه, وراح أبويا يجري عشان يستلف المبلغ والدجال ده يجي للمكان, قعد مع أبويا برة وفضل يتكلم معاه وبعدها قاله انت عندك بنت شابة عايز أشوفها, خرجت للدجال وانا مرعوبة لقيته بيتفحصني من فوق لتحت بطريقة فظة وبعدها قال إني هكون المفتاح اللي هيفتح بيه البوابة..
خوفت أكتر من كلامه بس نظرات أبويا كانت مُرعبة, ومعناها إني مينفعش اتكلم ولا أنطق بنص كلمة, وإلا هيعيشني في جحيم, ومع تاني زيارة طلب الدجال إنه يقعد معايا لوحده, ولما بصيت لأبويا استنجد بيه لقيته استجاب وانسحب من المكان بدون أي كلمة..
شوية ولقيت الدجال بيقرب مني وبيحط ايده على جسمي, انكمشت من الخوف وهددته لو عمل حاجة هقول لأبويا, لقيته ابتسم ابتسامة فظة وخبيثة وقال:
- انتي عجباني أوي, تحبي نعمل ده بمزاجك ولا غصب عنك
تفيت في وشه وخرجت وانا بستنجد بأبويا, لقيت الدجال مسكني من شعري بعنف وبدأ يكلمني بصيغة الراجل ويقول:
- أخرج منها واعترف على مكان الدهب حالا وإلا انت عارف انا هعمل فيك ايه
أبويا جه يجري بس بإشارة من الدجال خلاه يقف ميقربش, قمت بكل عزمي خربشت الدجال في عنيه وهربت من المكان, وقعدت في الأوضة أبكي بهيستريا شديدة, شوية وجه أبويا يزعقلي عشان اتعاملت بقسوة مع الدجال اللي كان بيقول عليه شيخ, حكيتله اللي حصل قام ضربني وهددني منطقش بالكلام الكذب ده تاني..
واتأكدت إن أبويا خلاص اتجنن, وان الدجال أكل عقله ولغى تفكيره تماما, شوية وبدأت أحس بالتعب وقررت أنام, بس مسافة ما روحت في النوم حسيت بإيد باردة أوي بتتحسس جسمي, وكأن فيه لوح تلج على جسمي, قمت من نومي مخضوضة بس مقدرتش أتحرك, كانت حالة شبيهة بشلل النوم, وشوفت راجل بعين واحدة ماسك سوط مولع بالنار, وضربني بيه أكتر من ضربة وبدأ يتكلم ويأمرني أستجيب للدجال المرة الجاية وإلا مش هيسبني وهيزورني كل ليلة, قال الكلمتين دول ومشي..
↚
ولما صحيت من الفزع اللي انا فيه شوفت آثار ضرب على جسمي وكنت حاسة بالوجع الشديد, واتكرر الموضوع تلت ليالي كاملين, تلت ليالي شوفت فيهم رعب مشفتوش في حياتي, وجه الدجال مرة تانية وطلبني, وأبويا أجبرني أقعد معاه, شوية وبدأ يكرر نفس الفِعل, بس المرة دي كنت خايفة, مرعوبة من الراجل اللي بيجي بالليل واللي كنت متأكدة انه مسلط عليا بسبب الدجال ده, ومن رعبي وخوفي كنت هسلم تماما لولا إني لمحت النتيجة المتعلقة واللي كانت عليها آيات من سورة القلم, وبالأخص الآية اللي بتقول "وإنك لعلى خُلقٍ عظيم"
هزتني أوي الآية دي وقتها, ومسكت الفاظة وضربت الدجال على راسه بكل عنف, وجريت, أبويا مسكني لما خرجت بس الدجال طلب منه يسبني, وكلمني بصيغة المُذكر وقال:
- طالما مش بمزاجك يبقا نعملها غصب عنك
وبص لأبويا وقاله:
- هنفتح المقبرة بالليل انهاردة
ورجعت أوضتي وانا بدعي ربنا يسترها, خاصةً إن نظرته كانت مخيفة أوي, وكأنه ناوي نية سودة, وفعلا حضر بالليل لوحده, ودخل الأوضة المحفور فيها مع أبويا, شوية وجالي أبويا وبدأ يتكلم معايا, قالي إن الجن مش هيفتح الباب غير بوجودي, وبدأ يطمني ويكلمني بنبرة هادية عشان أستجيب, ولما وافقت بشرط وجود أبويا قالي إن فيه شرط واحد للجن, إني هقف قدام باب المقبرة عريانة تماما, بصيت لأبويا بذهول لقيت عنيه زايغة وكأنه شيطان بيتكلم, بيتكلم عن الدهب وانه استحالة يسمح لحد يدمر حلمه ده..
في اللحظة دي شوفت أمي بتتجسس علينا, بصيت لأبويا برعب وقولت:
- بس لو عمي عطية عرف انك مقلع بنتك وكاشفها قدام راجل غريب مش هيسكت
قولتها بصوت عالي, عشان أمي تسمع وتفهم وتجري تنادي على عمي, بس أبويا مدانيش فرصة وخلاني أقلع هدومي كلها وأغطي نفسي بملاية, ونزلني عند الشيخ في قلب الحفرة, الشيخ أو الدجال اللي ابتسم وقتها وكأنه بيقول هعملها غصب عنك وقدام أبوكي, ولقيت أبويا بيقوله:
- شوف شغلك يا شيخ
بصيت لأبويا برعب لقيته بيقول:
- الشيخ هيدخل عليكي عشان الجن يفتح البوابة
وقتها مصدقتش إن ده أبويا, ومستوعبتش الكلمة, بصيت يمين وشمال على أي حاجة أموت بيها نفسي أو اقتلهم, لأني مش هسمح إن ده يحصل أبدا, بس في اللحظة دي سمعت صوت عمي اللي نزل الحفرة وهو غضبان ومعاه شومة, وبدون تفكير ضرب الدجال على راسه بكل قوته ضربة وقعته والدم سال منه بطريقة مرعبة, وبص لأبويا وقاله بكل غضب:
- بتبيع شرفك عشان الدهب يا راجل يا نجس
- ملكش دعوة دي بنتي وانا حُر فيها
- وانا مش هخليك حُر من انهاردة
طلعني من الحفرة وكان ابن عمي فوق غطاني بسرعة وبدون تفكير ردموا على أبويا والدجال, ولولا إن بوست على رجل عمي كان هيكمل ردم ويدفن أبويا للأبد, بس مقدرتش, مقدرتش, واتردم الدجال تحت البيت وأبويا خرج وهو عينه مكسورة, وعمي خدني أعيش عندهم وخلى أمي تتطلق وتسيب البيت, وهدد أبويا بالموت لو بس فكر يقرب مننا, الغريب بقا واللي عرفناه من حد ثقة إن مفيش دهب أصلا, وكل دول نصابين بيبعوا الوهم, وآخر واحد ده كان جاي ومش هيطلع دهب, ده كان جاي عاوزني أنا وبس, وكل ما كنت ببقا صعبة عليه كان بيقرر يكسرني في وجود أبويا وياخد اللي عاوزه, يعني حتى الدهب اللي أبويا باع عشانه كل حاجة طلع وهم, سراب..
عشان كدا القناعة كنز لا يفنى, وان الجري ورا الفلوس وانك تخليها هدفك الوحيد بيحولك مع الأيام لشخص عديم الدين والمرؤة والانسانية, بيخليك زي الحيوان اللي بياكل من أي مكان ومبيهموش ده أكل حلال ولا حرام, بس انت وقتها مش حيوان, انت إنسان وهتتحاسب, هتتحاسب على كل قرش بتجيبه والطريقة اللي جبته بيها كمان, عشان كدا ربنا قال "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" وان العمل مجرد وسيلة للعيش مش أكتر, انت مش مطلوب منك تبقا ملياردير, بس مطلوب منك تبقا انسان..
بقلم: أحمد محمود شرقاوي