لعنة الأم بقلم أحمد محمود شرقاوي
أكتر حاجة أمي بتحبها في الدنيا هي إنها تقعد على باب الشارع مع واحدة جارتها ويفضلوا يراقبوا في اللي رايح واللي جاي, ويتكلموا على ده وده ويشوفوا ده هيعمل ايه وده هياكل ايه ويشرب ايه, كانت وكأنها هواية بيستمتعوا بيها وياما أبويا حاول ينهاها عن كدا, بس ست متسلطة زي أمي مفيش قوة في الدنيا تقدر تمنعها عن اللي هي عاوزاه, لدرجة إنها لما كانت بتتخانق مع أبويا كان الحال بيتقلب وكانت بتضربه ومرة من المرات كانت هتقتله, ست محدش كان عارف دي جت ازاي وبيقولوا انها معجونة بمية عفاريت, وطبعا قعدتها قدام البيت عملتلنا مشاكل بصورة شبه يومية, وبقا كل يوم خناقات مع الجيران ومشاكل وحاجة تخليك تكره العيشة باللي فيها..
ولما وبعد عناء ومشاكل وصلت للسما أبويا كسر عتبة البيت عشان أمي متقعدش في الشارع وتدخل تقعد في البيت جوة, وقتها حسينا إننا خلاص حلينا المشكلة من جذورها بس واضح اننا كنا موهومين, لأن أمي لما دخلت ملقتش غيري انا واخواتي الاتنين عشان تتخانق معانا على أتفه الأسباب, وكأنها ست سليطة متعرفش تعيش غير بالمشاكل والخناق, لحد ما جه اليوم الاسوأ في حياتي لما أخويا كان نازل الشغل وأمي اتخانقت معاه عشان مش عايز يسيب فلوس في البيت, ولما رفض وسابها ومشي دعت عليه بأعلى صوت وقالت:
"إلهي عربية تاكلك يا بعيد"
وكلها 4 ساعات وسمعت هرج ومرج في كل حتة, وشوفت, شوفت كوم من اللحم محطوط على خشبة وملفوف في قماشة دايبة, وبيقولوا ان ده أخويا بعد ما وقع في عربية القماش وهي داخلة المكنة واتفرم معاها, المشهد كان كفيل إنه يجبلي حالة من الصرع والجنون, خاصة إن اللي اتبقى سليم هي راس أخويا وبس, ورغم ان البلد كلها كانت معانا وواقفين بس محدش قدر يهون على قلبي موت أخويا بالشكل ده, ووقعت في نوبة من الاكتئاب والتوهان مخرجتش منها غير لما أكتر من شيخ قرأ عليا الرقية عشان أقدر أرجع انسانة طبيعية من تاني, أما أمي فكانت تقريبا بدون قلب, شافت ابنها مات بالطريقة دي وقالت ده مات عشان كنت غضبانة عليه, واللي بغضب عليه بيموت بالطريقة دي..
أبويا متحملش وهجرنا للأبد, بس كان بيبعت اللي يكفيني انا وأختي كل شهر رأفة بحالنا, لأنه عارف اننا عايشين مع فرعونة, وبعد موت أخويا بشهر واحد بس, دعت على أختي عشان سابت طبق مش مغسول وقال:
"الهي يحرق دمك"
وبعد اسبوع واحد صحيت على صراخ ووجع من أختي وكأنها بتتحرق في قلب الجحيم, ولما جرينا على المستشفى اكتشفنا المُصيبة, أختي جالها سرطان في الدم, وكان علاجها جلسات كيماوي حارقة, واتحول البدر المنور مع الأيام لكائن من غير شعر, هزيل, تايه, مع الف كلمة آآآآه كانت بتقولها كل ليلة, ومع ذلك أمي مأشفقتش عليها, وقالت انها تستاهل اللي هي فيه, وبدأت أفكر جديا أخد أختي وأمشي من البيت كله,لأني مش مستنية دعوة زي دي تجيب أجلي أنا كمان, بس هروح فين وهاجي منين, كل خالاتي وعماتي رفضوا يستضيفوني أنا واختي مخافةً من أمي, الست اللي سمعتها بقت أسوأ وأضل, والكل بقا مش طايق حتى يبص في وشها..
وبقت حياتي كلها عبارة عن كلمة آآه من أختي المريضة, وتسلط وتجبر من أمي, لحد ما في ليلة صحيت على صوت شهقات غريبة أوي, وكأن حد بيغرق أو مش عارف ياخد نفسه, افتكرتها اختي في الأول, بس لما قربت من أوضة أمي لقتها هي, كانت عاملة زي اللي بتتخنق في نومها ومش عارفة تتنفس, جريت عليها وصحتها لقتها فضلت تتنفض وتقول كلمتين وبس:
"أمي وابني"
"أمي وابني جايين ياخدوني"
حاولت أهديها وافهم منها, لقته بتقول إنها شافت نفسها واقف بين مقبرة ومكنة القماش اللي أخويا مات فيها, وأخويا عمال يشدها للمكنة عشان تتفرم معاه, وأمها تشدها ناحية القبر عشان تدفنها معاها, طمنتها انه مجرد حلم وان شاء الله كل حاجة هتبقا كويسة..
بس للأسف مكنش مجرد حلم, لأني صحيت بعد ساعتين بس على حاجة واقفة قدام السرير, ولما فقت واستوعبت دي ايه صرخت بأعلى صوت ممكن, كان أخويا واقف قدام سريري, جسمه عبارة عن كومة من اللحم وراس سليمة, والأرض حوليه غرقانة دم, وكان بيمشي عشان رجليه تدوب على الأرض وتتفرم أكتر ماهي مفرومة, وبدون مقدمات لقيته رايح ناحية أوضة أمي, قعدت مكاني مش قادرة أصرخ مرة تانية, وكلها لحظات وجالي الصراخ من أوضة أمي, صراخ رهيب, جريت عليها لقيتها عمالة تشهق وتشاور على ركن الحيطة برعب غريب..
شاهد ايضا : جلب الحبيب بقلم أحمد محمود شرقاوى
حواديت المشرحة بقلم أندرو شريف
ليلة سقوط العمارة بقلم محمد شعبان
فتحت النور وشغلت القرآن في البيت, بس أمي كانت فقدت عين من الاتنين, مبقتش بتشوف غير بعين واحدة بس, وفضلت تترعش وتقول انها شايفة خيالات كتير في المكان, وتاني ليلة صحيت على نفس الصراخ, بس عشان اتفاجئ إن أمي فقدت ودن من الاتنين, وبقت بتسمع بالعافية, وكلها تلت أيام كمان وفقدت العين التانية والودن التانية, أمي ولا بقت بتشوف ولا بتسمع, وفيه بقعة سودة طلعت في خدها زي الشامة كانت بتدوب وبتتحلل كل شوية, لدرجة إني شوفت دود بيطلع على جلد وشها, وياريت الموضوع وقف عند كدا, أمي بدأت حركتها تبطئ لحد ما حصلها شلل في إيد وفي رجل, وعرفت ان فيه حاجة بتمتص طاقة أمي بالبطئ, بتمتص منها أي مظهر من مظاهر الحياة, الموضوع أكبر مني بمراحل..
روحت جبت دكتور مقدرش يوصل لأي حل, روحت جبت شيخ قرأ عليها الرقية وقال ان الموضوع أكبر منه بمراحل, وقال نصا "الست دي ملعونة من زمن طويل أوي"
وكلها اسبوع ومسك الشلل في جسمها كله, ولا بقت بتشوف ولا تسمع ولا تتحرك, وبقت في سريرها بترجع الأكل وتتبول على نفسها, والدود بقا يمشي على كل حتة في جسمها, أمي كانت بتتحلل بالفعل وانا مش عارفة أعمل ايه, بتتحلل وبتموت قدام عنيا, وريحة الأوضة بقت اسوأ من ريحة القبر, لدرجة إني كنت بدخل بقناع عشان أنضف وأحاول أساعدها..
لحد ما جت ليلة موتها, دخلت كالعادة لقتها قاعدة قدام عنيا ووشها عامل زي الهيكل العظمي, بس الغريب انها كانت بتتكلم بهدوء شديد أوي, قالتلي انها كانت كل يوم بتتخانق مع أمها, وتشتمها, بل ووصل الأمر انها ضربتها كمان, ولما زهقت من أمها اللي كبرت وخرفت بقت تحميها بمية باردة أوي عشان تبرد في الشتا وتموت في أسرع وقت, وفعلا اتخلصت منها وعاشت عادي خالص, لحد ما أمها بقت بتجلها في المنام كتير أوي, وحولت حياتها لجحيم, وكان الحل انها تروح تدلق مية على قبر أمها، ده اللي اتقالها من أكتر من حد..
وفعلا راحت وهناك قابلت راجل قالها انه هيعيش معاها ويحميها ويديها قوة كبيرة مقابل انه تسمحله يرافقها في حياتها, والراجل ده كان من الجن الكافر, وفضل معاها سنين بيحميها من أمها أو عفريتها, لحد ما زهد منها وقرر يسبها بس بعد ما يعاقبها عقاب كبير, دعت على ابنها والجن حاول يكون سبب لتحقيق الدعوة, ودعت على بنتها فالجن عمل نفس الموضوع في بنتها, وسابها فريسة كبيرة للجنون والقرناء من الجن, سابها تموت بأبشع طريقة ممكنة..
حكت الحكاية دي وماتت, ماتت ووصلت رسالة واحدة بس, ان عقوق الوالدين لعنة, لعنة هتمسك فيك العمر كله, وان اللي مش هيشفق ويرحم أبوه وأمه يبقا مش هيرحم حد في الدنيا, وهيعيش قاسي القلب لحد ما ربنا ياخده أخذ عزيز مقتدر..